مفرداته وحسن تركيبه وسهل فهمه، كان موصوفاً بحسن البيان دون غيره، ومنعوتاً بالتهذيب دون سواه، وإذا استوى البيتان في المعنى وكان أحدهما أخصر وزناً وأبلغ معنى وكانت محاسنه أكثر، وعرى مما وقع في أخيه من العيوب، كان قائل موصوفاً بحسن الإتباع، وبيتي كذلك، لا سيما وقد وقع فيه مع هذا الإبداع، وهو تضمن كل لفظة بديعاً أو بديعين، مثل تضمن هبني سكت، الترشيح للاستعارة التي في لسان ضرورتي، وفيها بعدها الضرب الجدلي الذي سماه أهل الصناعة المذهب الكلامي، وفي الضرب تفسير وتمكين، وفي جملة البيت ما تقدم، فحصل في البيت سبعة عشر ضرباً من البديع قد تقدم ذكرها مفصلة، وسياقها جملة: المطابقة، المذهب الكلامي، الترشيح، الاستعارة، المبالغة، التكميل، التفسير، التمكين، المساواة، الائتلاف، الإيجاز، الإيضاح، حسن البيان، الإبداع، التهذيب، الانسجام، حسن الإتباع، ففضل بيتي بيت ابن الرومي بثلاثة أضرب من البديع، وخلوه من العيب الذي بسببه امتنع به أن يوصف بالانسجام.
ومن حسن الإتباع إتباع الأخطل النابغة الذبياني في قوله طويل:
فإنك كالليل الذي هو مدركي ... وإن خلت أن المنتأى عنك واسع
فقال طويل:
وإن أمير المؤمنين وفعله ... لكالدهر لا عار بما صنع الدهر
فهذا من الإتباع الذي ليس بحسن، وإنما ذكرته في هذا الباب لأذكر بعده الإتباع الحسن فيبين فضله: