ومما يفسد هذا التأويل قوله: كالإصبع، فإنه ذكر الإصبع، والمراد به ظاهر اللفظ فإنه يدل على أن الظفر على ظاهره إلا أن يتأول الإصبع، وأما تشبيه القلم بالإصبع فهو تشبيه يسلبه جميع المنافع والمضار، فإن الإصبع الواحدة على انفرادها قلما تعمل عملاً، وإن عملت عملاً كان غير متقن وكانت غير متمكنة منه، فلا معنى لها على انفرادها، وأنت ترى من ولد خداجاً ليس في كفه إلا إصبع واحدة غير منتفع بيده، ويشاهد ما بها من القبح، ولا يكون للإصبع جمال إلا مع انضمامها إلى أخواتها، واستعارة قصر الظفر له من أبرد الاستعارات، إلا أنه كفر بحسنات البيت الثاني سيئات البيت الأول أن الحسنات يذهبن السيئات وقد أتى أيضاً في هذا الباب بما هو أحسن من الأول وهو قوله بسيط
أغنيتني عن جميع الناس كلهم ... ولم أجد مغنياً من سائر البشر
كالحمد تجزي المصلى حين يقرأها ... وليس يغنيه عنها سائر السور
هذا على مذهب الجمهور، فإنه مذهب مالك والشافعي وأحمد، إلا أبا حنيفة وصاحب الشعر مالكي، إذ هو مذهب أهل المغرب ولابن رشيق في هذا الباب ما لا يشق غباره وهو قوله " رجز ":
كأنما الصبح الذي تفرا ... ضم إلى الشرق النجوم الزهرا