الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام " فما فائدة البسط؟ قلت فائدته جليلة، فإن الاستدلال بما قرب من نظر الخصم أوضح من الاستدلال بما بعد، فإن تقدير أقوات الحيوان البري والبحري، وتخصيص كل صنف بقوت مألوف يميل إليه بطبعه، كاللحوم للسباع، والحب للبهائم، والأوساخ وما أشبهها للهمج، والبقول وسائر الخضروات لغير هذه الأصناف، وجميع بعض أصناف الحيوان البهيم البري والبحري، وتركه تلك الأقوات الموجبة لكفاية ما يخرج من الأرض من جميع الحيوان أقرب لفهم المخاطب، ولاحتمال أن يقع في بعض النفوس أن هذه الأمور من صنع السموات والأرض، لا من صنع صانعهما كما يعتقد بعض الناس فاقتضت البلاغة أن يقدم ذكر الأرض لقربها من المخاطب، ولأن الأنداد منها كالحجارة التي نحتت وعبدت والأنصاب التي نجرت من الأخشاب، والصور التي اتخذت من المعادن، وليعرف بعظمة قدرته في خلقه الأرض كلها في يومين، ثم ثنى بذكر الجبال التي تثبت الأرض، وتكون الجواهر المعدنية منها.
ثم يذكر البركة التي لولاها لما نبت النبات، ولا عاش الحيوان، ولا تنوع الجماد، ولا حصلت المنافع التي بها قوام الأجسام، ممتناً بذلك على عباده، وحق له الامتنان، ثم ثلث بذكر تقدير الأقوات، ليحض بذلك على التوكل، ويبعث النفوس على الاشتغال عن الفكر في التكسب بصالح الأعمال، ثم أخبر أن ذلك كله في يومين آخرين، بقوله سبحانه: " في أربعة أيام " يعني. والله أعلم. أنه أرسى الجبال وبارك في الأرض