الذي لو اقتصر عليه حصل به المراد، لما في البسط من إدماج الغزل في الوصف بغير لفظ التشبيه، ولا قرينته المعتادة، إذ هو من قسمي التشبيه اللذين بأداة وبغير أداة، بل تشبيه لا ظاهر ولا مقدر يفهم من فحوى الخطاب، إذ مفهوم اللفظ أن صفرة الخيرى تشبه صفرة ألوان المهجورين.
من هذا الباب أيضاً قول البحتري وقد تقدم في باب حسن الإتباع كامل:
أخجلتني بندى يديك فسودت ... ما بيننا تلك اليد البيضاء
صلة غدت في الناس وهي قطيعة ... عجباً وبر راح وهو جفاء
فإن حاصل البيتين أنك قطعتني عنك خجلاً من كثرة عطائك، فبسط هذا الكلام لتحصل زيادات من البديع لولا البسط ما حصلت كالطباق في البيت الأول، بذكر السواد والبياض، والمقابلة في البيت الثاني بذكر الصلة والقطيعة، والغدو والرواح، والبر والجفاء، وعلى هذا فاعتبر ما تسمعه من الكلام الذي يقع فيه مثله، وقسه عليه.
والفرق بين البسط والاستقصاء أن الاستقصاء هو حصر كل ما يتفرع من المعنى ويتولد عنه، ويكون من سببه ولوازمه، بحيث لا يترك فيه موضعاً قد أخلقه بجدة الآخذ له، فيستدركه ليستحقه بذكره، والبسط نقل المعنى من الإيجاز إلى الإطناب بسبب بسط العبارة عنه، وإن لم يستقص كل ما يكون من لوازمه، والله أعلم.