فإن حال هذين البيتين حال البيتين اللذين قبلهما، إذ الأول منهما إذا انفرد كان مدحاً محضاً، وإ؟ ذا اجتمعا صار هجواً بحتاً، غير أن ثاني الآخرين مخالف لثاني الأولين.
ومن ملح هذا الباب قول السعيد بن سناء الملك رحمه الله في قواد سريع:
لي صاحب أفديه من صاحب ... حلو التأني حسن الإحتيال
لو شاء من رقة ألفاظه ... ألف ما بين الهدى والضلال
يكفيك منه أنه ربما ... قاد إلى المهجور طيف الخيال
وهذا النمط غير النمط الأول الذي قدمناه، وهذا من لطيف التوجيه، ولقد تشبثت بأذيال القاضي السعيد رحمه الله في هذا المقطوع بقولي فيمن ادعى الفقه والكرم وانتحل هاتين الشيمتين دون بقية الشيم، وهو ممن يتهم سريع:
ابن فلان أكرم الناس لا ... يمنع ذا الحاجة من فلسه
وهو فقيه ذو اجتهاد وقد ... نص على التقليد في درسه
يستحسن البحث على وجهه ... ويوجب الدخل على نفسه
وكل توطئة وقعت في هذا النمط الثاني صالحة للمدح البحت فإذا اقترنت بأبيات المعاني انقلب ما كان فيها مدحاً تهكماً، وصارت هي بنفسها هجاء، والذي أفرد هذا الباب بنفسه عن باب التهكم مع أن الذي فيه من المدح تهكم هو أن التهكم لا تخلو ألفاظه من لفظة من اللفظ الدال