الآية مدمجة في المقابلة، والجواب: هذه المبالغة بالنسبة إلى المخاطَب إلى المخاطِب وقد جاء منها في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ما لا يحصى كثرة، ولا يلحق بلاغة، كقوله عليه السلام مخبراً عن ربه أنه قال سبحانه:" كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به " وقوله في بقية هذا الحديث: " والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ". ففي هذا الحديث مبالغتان: أحداهما كون الحق سبحانه أضاف الصيام إلى نفسه دون سائر الأعمال لقصد المبالغة في تعظيمه وتشريفه، وأخبر أنه عز وجل يتولى مجازاة الصائم بنفسه، مبالغة في تعظيم الجزاء وشرفه، ونحن نعلم أن الأعمال كلها لله سبحانه ولعبده باعتبارين: أما كونها للعبد فلأنه يثاب عليها، وأما كونها لله تعالى فلأنها عملت لوجهه الكريم، ومن أجله فتخصيص الصيام من بينها بالإضافة إلى الرب سبحانه، وتخصيص ثوابه بما خصصه به إنما كان للمبالغة في تعظيمه والحض عليه، والمبالغة الثانية إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم بعد تقديم القسم لتأكيد الخبر بأن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، ففضل تغيير فم الصائم بالإمساك عن الطعام والشراب على ريح المسك الذي هو أطيب الطيب على مقتضى ما يفهم من ريح المسك وريح تغير فم الصائم، وأتى المعنى بصيغة أفعل للمبالغة، فجمع هذا الكلام بين قسمي المبالغة المجازي والحقيقي.