شيئاً " فهذا بيان إخراج ما لا تقع عليه الحاسة إلى ما تقع عليه الحاسة، وقد اجتمعا في بطلان التوهم مع شدة الحاجة، ولو قيل: يحسبه الرائي ماء لكان بليغاً، وأبلغ منه لفظ القرآن لأن الظمآن أشد حرصاً عليه، وأكثر تعلق قلب به، وتشبيه أعمال الكفار بالسراب من أحسن التشبيه، فكيف تضمن مع ذلك حسن النظم وعذوبة الألفاظ وصحة الدلالة.
ومنها إخراج ما لم تجربه العادة إلى ما جرت به العادة، كقوله تعالى: " وإذا نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة " وهذا بيان قد أخرج ما لم تجر به العادة إلى ما جرت به العادة، وقد اجتمعا في معنى الارتفاع في الصورة.
ومنها إخراج ما لا يعلم بالبديهة إلى ما يعلم بالبديهة، كقوله تعالى: " وجنة عرضها كعرض السماء والأرض " وهذا بيان قد أخرج ما لا يعلم بالبديهة إلى ما يعلم بالبديهة، وقد اجتمعا في العظم وحصل من ذلك الوصف التشويق إلى الجنة بحسن الصفة وإفراط السعة.
ومنها إخراج ما لا قوة له في الصفة إلى ما له قوة في الصفة، كقوله تعالى: " وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام " وهذا بيان قد أخرج ما لا قوة له في الصفة إلى ما له قوة في الصفة، وقد اجتمعا في العظم إلا أن الجبال أعظم، وفي ذلك العبرة من جهة القدرة فيما سخر الله من الفلك الجارية على الماء مع عظمها ولطفه، وما في ذلك من الانتفاع بحملها الأثقال، وقطعها الأقطار البعيدة في المسافة القريبة.