قفا نبك من ذكري حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فرأى أن ابتداء امرئ القيس على تقدمه وكثرة معاني ابتداءاته متفاوت القسمين جداً، لأن صدر البيت جمع بين عذوبة اللفظ وسهولة السبك، وكثرة المعاني بالنسبة إلى العجز ما لم يجمع العجز، فإن ألفاظ العجز غريبة بالنسبة إلى ألفاظ الصدر، والعجز أقل معان من الصدر بخلاف بيت النابغة، فإنه لا تفاوت بين قسميه البتة، فبيت امرئ القيس وإن كان أكثر معان من بيت النابغة، فبيت النابغة أفضل، من جهة ملاءمة ألفاظه، ومساواة قسمية، ومثل بيت النابغة قول زهير طويل:
صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله ... وعرى أفراس الصبا ورواحله
فإن قسمي هذا البيت متلائمان، فإن لفظ كل واحد منهما متوسط بين الغرابة والابتذال، وفي كل قسم منهما استعارتان، فقد تساويا في اللفظ والمعنى كبيت النابغة، وهذا من قول امرئ القيس طويل:
خليلي مرا بي على أم جندب ... نقضي لبانات الفؤاد المعذب
وإنما عظم ابتداء معلقة امرئ القيس في النفوس الاقتصار على سماع صدر البيت، فإنه يشغل الفكر بحسنه عن النظر في ملاءمة عجزه أو عدم ملاءمته، وهو الذي قيل عند سماعه للمنشد: حسبك، فإن قائل هذا الكلام أشعر الناس، لأنه وقف واستوقف، وبكى واستبكى وذكر الحبيب والمنزل في شطر بيت ولم يستنشد العجز منه شغلاً بحسن