وفيه ألجأ شيخنا المذكور أن يأتي أكابر الطائعين ويشفع في عدم الأمر بإحراق سوق محلته، ففعل، وقبلوا شفاعته، ونودي بدمشق: إنما نحرق بدمشق: إنما نحرق بيوت من نعرف عصيانه، يعنون السيد إبراهيم ونحوه.
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشره تزايد الخوف من الحريق من غوغاء الزعر النهاب، فانتقل شيخنا المذكور من منزله إلى بيت حسين البغدادي بجواره، لإمكان الهروب منه إلى حارة قناة البريدي، ثم انتقل منه إلى بيت الخواجا ابن عرب بمحلة القناة المذكورة، ونام فيه ليلة الأربعاء ثالث عشره، وقد أيس من سلاتمة منزله ومحلته.
وفي يوم الخميس رابع عشره أتى إلى دمشق رجل هجان، من جماعة نائب حمص إبراهيم باك، وظاخبر بخروج جيش من مصر لكثرة طلب ذلك من الطائعين بدمشق، فخلع عليه.
وفيه بنى باب النصر من تربة بهادر آص، إلى تربة فرج بن منجك بحجارة مكينة، ومرام، فاشتد خوف الناس، وتقطعت الأسباب، وفصل بين الحارات بتداريب مسدودة، وبعضها بخوخة يدخل منها بمشقة شديدة، واستمر العصاة بميدان الحصى، وشاليشهم بالبندقيات عند باب المصلى، وشاليش الطائعين عند الجامع الصابوني، حتىانزعج من ذلك الخلق والطير في السماء من شدة صوت المكاحل، وكل أهل حارة خائفون من الحريق أو النهب أو منهما جميعاً، وطمع في ذلك أهل الزعارة.
وفي يوم السبت سادس عشره أتى عشير كثير من الروافض إلى عند العصاة، فلم يجدوا لهم موضعاً بميدان الحصى لكثرة الترك فيه، وسكناهم في دور الناس بخيلهم وغلمانهم وجواريهم، فتوزع العشير المذكور في أطراف الميدان المذكرور، وإلى محلة باب المصلى.
وفي هذه الأيام شرع العصاة في عمل سلالم كبار طوال، وجنويات، زحافات، وفي زعمهم أخذ المدينة والقلعة، ويظهرون للناس أن السلطان من جهتهم، وإنما يميله خاله وجماعته، ويخرجون مراسيم على مرادهم، عليهم علائم السلطان؛ والطائعون يظهرون أنه قد خرج من مصر جيش كثير من نائب الشام جان بلاط، وأن العشير كان أتى إليهم ثم رجع إلى بلاده ينتظر قدوم الجيش وجان بلاط المذكور ليدخل معهما.
وفي يوم الأحد سابع عشره قطع لعصاوة يد شاب مغربي ولسانه وأذنه، لما قيل عنه أنه ساع أتى إلى الطائعين، كما فعل الطائعون بذلك المغربي الذي تقدم ذكره.