وفي يوم الأحد حادي عشره شاع بدمشق أن الوفد أخذ العرب منه جانباً باللجون وهو محاصر، وأن الدوادار مقيم بجماعة قليلة بالبيرة لم يقطع رأسه، وأن السلطان الملك الناصر وخاله، دواداره، مختلفان، وإلى الآن لم تأت خلعة النائب كرتباي، بل أرسلوا من مصر نائباً لقلعة دمشق فرده النائب من تربة تنم بباب دمشق، ولم يمكنه من الدخول، والناس في هرب من وقوع فتنة، فالله يحسن العاقبة.
وفي بكرة يوم الخميس خامس عشره سافر النائب إلى الكسوة، وخلع نيابة الغيبة على تمرباي القجماسي المشهور بأبي قورة، دواداره يومئذ عوض دولتباي الذي سافر أميراً للوفد، ودخل أبو قورة المذكور بخلعة حمراء بين القضاة الأربعة في أبهة.
وفي يوم الجمعة سادس عشره نادى نائب الغيبة بالأمان وإبطال المناكر مطلقاً على اختلاف أنواعها، وأن لا يحمل أحد سكيناً ولا ما يعتاده أهل الزعارة، وقد أصاب في ذلك، أيده الله تعالى.
وشاع هذه الأيام أن السيد إبراهيم نقيب الأشراف قد أهانه جان بلاط نائب حلب، وضربة بالمقارع مراراً، وأشاع بعضهم موته، وموت محمود الأردعي، رفيقي كريم الدين بن عجلان في تمكين العصاة وإطماعهم في دمشق، حتى خرب غالبها، ونهب الأموال التي لا يمكن وصفها، وقتل خلق كثير، ولا قوة إلا بالله.
وفي هذه الأيام رجع شهاب الدين بن المحوجب إلى مسجد قرب منزله، فسكنه ليعمر منزله، وشاع بدمشق أن النائب قد أغار على طائفة الأمير مشلب، أحد أمراء بني لام، الذين أخذوا الحاج مراراً، وأخذ منهم مالاً كثيراً.
وفي يوم الاثنين ثالث ذي الحجة منها، أعيد الشهاب الرملي إلى نيابة القضاء، بعد جهد جهيد، وترامٍ على جماعة منهم السيد علاء الدين بن نقيب الأشراف، وخلع عليه القاضي الشافعي لحلف الشهاب بن بري عليه أن يخلع عليه، وأن يفوض إليه، فأبر قسمه.
وفي يوم الثلاثاء، رابعه دخل من مصر إلى دمشق خاصكي، وتلقاه القضاة الكبار على العادة، بمراسيم شريفه بأن لا يجحف على اليهود في أخذ الجزية بل بالمعروف.
وفي هذه الأيام شاع بدمشق أن النائب ببلاد صخرة، وأنه يريد يبني هناك قلعة وأن ابن ساعد شيخ تلك البلاد لم يحضر عليه، وإنما أرسل له ابنه ومالاً كثيراً، فلم يرض النائب إلا بحضوره؛ وبعث إلى دمشق يطلب زيادة معمارية ونجارين وفامية وغير ذلك، فهرب غالب الصنايعية، وزاد وقوف الحال من ظلم نائب الغيبة، وهرب الحاجب الكبير من عند النائب وأتى إلى دمشق متضعفاً، وأخبر بكثرة الضيق في البر من النائب، وإخلاء غالب القرى هرباً منه.
وفيها وصل قصاد علي دولات ونائب حلب وغيرهما، ومعهم هدايا للسلطان لأجل الدوادار والشفاعية منه والصلح، ونزلوا بالقصر، وهم منتظرون رجوع النائب إلى دمشق ليستأذنوه في السفر إلى مصر.
وفيها كملت العمارة الزيادة الثانية في المسجد غربي مصلى العيدين، لضيق خان الشومر والخلاء المحدث شرقية في طريق المسلمين، بناهما عبد القادر الحريري الأجرود من الشويكة.
وفيها توفي الخليفة عبد العزيز وولي ولده مكانه بمصر.
وأحد المعدلين نور الدين بن أحمد الإربلي بمكة مجاوراً؛ والقاضي الوزيري المالكي بمصر أيضاً، وصلي عليه غائبة بالجامع الأموي عقب صلاة الجمعة تاسع عشريه قال شيخنا المحدث جمال الدين بن المبرد الصالحي: " وقد أرسل الدوادار آقبري وهو بميدان الحصى يحاصر دمشق في هذه السنة، بعد أن كسر الأنهر التي تدخل إلى المدينة، من بانياس والقنوات وشبههما إلى أهل الصالحية، يتوعدهم مرات بالكبس والقتل والحرق والنهب، وهم في أراجيف منه، ثم كتب كتاباً يقول فيه: إلى كل واقف عليه من أهل الصالحية، من قضاتها وعلمائها ومشائخها وأكابرها، الذي نعلمكم به أنكم قد نزلتم إلينا وقاتلتمونا، فإن كنتم تريدون أن نكف عنكم فلينزل إلينا منكم مائة نفس يقاتلون معنا كما قاتلتمونا، وإلا فلا تلومون إلا أنفسكم، على أنا طلبنا منكم وضع ما معنا من النساء والنقل عندكم، ونحن بالمصطبة لما وقع الحصار من جهة العنابة أولاً، فأبيتم وعفونا عنكم تلك المرة ".
" فسألوني أهل الصالحية في الذهاب إليه فامتنعت، وقال كل من ندب لذلك إن ذهب ذهبنا معه؛ ثم سألني بعضهم أن أكتب له جواب ما أرسل به، فكتبت جواباً مطولاً ذكرته في كتابي: صبر الخمول على من بلغ أذاه إلى الصالحين من أولياء الله، وأرسلته مع قاصد إلى عند أينال الفقيه نائب حلب، فقال له: أنتم منكم أكثر من مائتين يقاتلونا، فقال له القاصد: لا والله، فقال: وإن أقمت بينة أن أكثر من مائة منكم يقاتلوننا أضربك، فقال: وأنتم في عسكركم أكثر من مائة منا يقاتلون معكم، فسكت ".
" وكان نائب حلب في الحصار وهذه الفتن من أجود الناس وأقلهم شراً، ويبلغنا عنه