الكلام الجيد والأمر الطيب والكف عن الشر جهده، بخلاف الدوادار آقبردي ومن معه من المصريين، وكان أشد الناس عليهم نائب القلعة فإنه بذل نفسه وجميع أموال القلعة وعددها؛ وكان غيره من الأتراك لا يغنون شيئاً، إنما يلبسون ويدورون داخل البلد، ولا يخرج أحد منهم إلى الدوادار وجماعته، وهو يقول: هؤلاء العلوق المخابثة، ما أحد منهم يقدر يواجهني أو يفتح عينه في عيني ".
" ولم يسعف نائب القلعة غير العوام، خصوصاً أهل الشاغور، فإنهم برزوا للدوادار عن شر كثير وأذاقوه البلاء الزائد، وعضدتهم مماليك نائب الشام المتوفى قانصوه اليحياوي، حتى بلغني عن الدوادار أنه قال؛ ما كنت أظن أن أحداً من العوام يقدر على القتال هكذا، وكانوا يظهرون على سور دمشق ويسبونه ويوبخونه وينادون عليه، يا غراب، لكونه أسمر، ما فاعل ما صانع، وهو يتألم من ذلك، وينكبت منه ".
" ولم يتمكن من البلد بشيء، مع أنه التف عليه من المقدمين شيخ بلاد نابلس حسن بن إسماعيل، ونائب بعلبك ابن الحرفوش، ومقدم الزبداني، وغيره ابن باكلوا، وكبير المرج خالد الغزلاني، ومقدم التيامنة ابن بشارة، وبالجملة فكان أكثر من معه طائفة اليمينة وكان هؤلاء الذين معه يفسدون ويقطعون الطرقات، وأكثر منهم فساداً وقطعاً للطرقات نائب غزة آقباي، فكانوا يأخذون أموال الناس ودوابهم وحصل منهم الأذى العام، وخصوصاً ابن باكلوا منهم، حتى قتل بقرية دمر رئيسها وكبيرها ابن مرجوح، وكان يطعم الطعام على الطريق وهو رجل جيد غير أنه من حزب القيسة ".
" قيل وبالحصار قتل تنم الحاجب الثاني بدمشق مع أنه كان يتهم أنه في الباطن من حلف الدوادارية، والأصح أنه لم يعلم قاتله، ثم إني رأيت في ليلة الاثنين رؤيا تدل على ذهاب هذه الشدة، وحكيتها للطلبة في الدرس، وقلت: لا يأتي يوم الجمعة إلا وأمره قد انفصل.
ففي يوم الخميس أصبح الناس وقد ذهبوا وخلوا غالب ما لهم، وحتى الطعام في القدور، فتغنم الناس من ذلك، ولا سيما نائب حماة والصوالحة،، ونهب ميدان الحصى، وأحرقت أماكن منه، وأظهروا خبايا لأهله، حتى يقال إن خبايا كانت من زمن اللنك ما عرف أحد مكانها، ظهرت في هذه النهبة من كثرة فحص الناس.
ثم بعد أربعة أيام قدم كرتباي الأحمر على نيابة دمشق، وجان بلاط على نيابة حلب، ومعهما جماعة من مماليك السلطان، فأقاموا بدمشق مدة ثم توجه جان بلاط إلى جهة حلب، وتأخر بعده كرتباي قليلاً. واستخدم خلائق وذهب خلفه " انتهى كلام محدثنا.