وأراد النائب والقاضي الشافعي أخذ خطوط من حضر في المجلس، بالشهادة على شهادة المعمارية ومن معهم، فقام المالكي من المجلس حرداً، وتبعه شيخ المالكية عبد النبي، فزاد المتجرئ المحب، وعضده قاضي بيروت ابن الأعمى الزهري، فظهر ظلمة المجلس، فقام المحيوي النعيمي، فطلب، فاحتج بالخلاء، فتبعه جماعة بالترسيم عليه، ثم رجع وجلس خلف الحلقة، ثم كتب جماعة كالمجبرين، ثم قاموا وأشرفوا على المقابر، فأنزل الله المطر، فتفرق الناس، ولم يصلوا إلى منازلهم إلا بشدة.
وفي يوم السبت ثامن عشريه جاء الخبر إلى النائب بأن العرب طاشت وهاشت، لأجل ما أخذه النائب من أموالهم، فسافر إليهم.
وفي هذا العام كانت واقعة الخطباء بمصر، وهي أنه كانت العادة أن يخطب للسلطان قاضي مصر، وكان قاضيها في هذا العام الجمال إبراهيم القلقشندي الشافعي، وكان شيخاً مسناً، فاختشى السلطان من أنه يخرج منه ريح على المنبر، فيستحي أن يعيد الوضوء، وقد يصلي بغيره حياء، فكره الصلاة خلفه وأمره بالاستراحة، وأن يستنيب، فاستناب نائب الشهاب الحمصي الدمشقي الشافعي، فضعف.
فطلع قاضي القضاة عبد البرّ بن الشحنة وباس الأرض للسلطان، وكان قصده أن يستمرّ دائماً في الخطابة، ويبطل الشافعي، فأذن له، فخطب في أواخر رجب منها، بعد أن لبس سواداً، فلم يعجب السلطان، ولما خرج من بيت الخطابة علق طرف الطرحة السوداء فوقع شاشه عن رأسه، فأخذه المرقيّ وألبسه أياه؛ وبالغ في ألقاب السلطان وقال: يا ملك الدوري، انصر عبدك الأشرف الغوري؛ فأنكر العلماء عليه ذلك.
ثم خطب بعده في الجمعة التي تليها البرهان الدميري المالكي، فلما رقي المنبر وقع وقام، ثم طلع فوقع أيضاً، فطلع له رجل عضّده إلى أن صار أعلى المنبر، فلما شرع في الخطبة قعد، ثم قام، ثم قعد، ثم قام، ثم قعد، ولم نعلم خطبته، ولم يعرف ما قال، ونزل وصلّى فغوّش السلطان والأمراء عليه؛ ثم خطب بعده قاضي القضاة شهاب الدين أحمد الشيشيني الحنبلي، وأجاد في الخطبة الأولى، والثانية أطال فيها، وساق فيها الوعظ ونزل