ثم ذهبت إلى العربات والقلاع، فتفرجت فيها، ولم أرها قبل ذلك، فإذا هي أمر عجيب تدل على تمكنه؛ والعربات مجنزرة، بعضها في بعض، بحيث إذا صفت تكون كالسور، وكل عربة ترمى بندقة ملء كف الرجل من رصاص، ولهذا البندق صندوق تحتها، وهي مركبة عليه في طول الشخص.
ثم ذهبت إلى مخيم الخنكار فلم أمكن من القرب به، وتفرجت على طبوله فإذا كل طبل قدر حمولة رجلين، يحمل كل اثنين منها على جمل؛ ومخيمه على نفس المصطبة، والعسكر بالبعد منه قدر رمية حجر من كل جانب، وهم محتاطون به كالسور على البلد.
ثم مررت على المقدم ناصر الدين بن الحنش، فإذا به قد ألبسه باشاوات الخنكار خلعة، وأعطوه سنجقاً، وزادوه على التقدمة إقطاع الأمرية الكبرى بالشام، وإقطاع نوى، وإقطاع ذخيرة ابن السلطان، وألزموه بإحضار العرب، فالتزم ذلك.
وفيه دخل الخليفة وقضاة مصر، خلا الحنفي، فإنه ذهب مع المنهزمين إلى مصر من حلب إلى الصالحية، وهم في حال رثة؛ ثم نزل الخليفة داخل دمشق، والقضاة بالصالحية، والخنكار بعسكره في المصطبة؛ وقد امتلأت دمشق ونواحيها من عسكره.
وفيه شاع بدمشق أن المصريين سلطنوا قانصوه الظاهر، خال الناصر.
وفي يوم الخميس سادسه دخل الخنكار من المصطبة إلى حمام الحموي، الكائن بعمارة السلطان قايتباي، بمحلة مسجد القصب، ودخله وأعطى لمن حلق له خمسمائة درهم، ولمعلم الحمام مثلها، ونودي له بمعلم الحمامين؛ وكان قدامه من الخاصكية جانب كثير، وخلفهم رماة البندق، وخلفهم الشاووشية، ثم هو، وخلفه مملوكان أمردان بشعور، لابسين على رأسيهما كوفيتين من ذهب، وخلفهما جمع من عسكره؛ وكان قبل دخوله بلحية لطيفة، فلما خرج من الحمام رأيناه قد حلقها كغالب عسكره؛ ثم ركب ورجع إلى المصطبة.
وبلغني في هذا اليوم أن شيخنا عبد النبي، وهو من عصبيته، أنكر عليه في أنه ذهب هو وجمع من الطلبة والعلماء فلم يجتمع عليهم، وجاءت الإفرنج وقنصلهم فاجتمع بهم.
وفي يوم الجمعة سابعه أتى الخنكار من المصطبة إلى الجامع الأموي، ودخل من الباب