والنضير أعدوا وأكثروا، فأقامت الأوس والخزرج في منازلهم وهم خائفون أن تحتلهم يهود حتى نجم منهم مالك بن العجلان أخو بني سالم بن عوف بن الخزرج.
[ذكر قتل يهود واستيلاء الأوس والخزرج على المدينة]
قالوا: ولما نجم مالك بن العجلان، سوده الحيان عليهما فبعث هو وجماعة من قومه إلى من وقع بالشام من قومهم يخبرونهم حالهم، ويشكون إليهم غلبة اليهود عليهم، وكان رسولهم الرمق بن زيد بن امرئ القيس، أحد بني سالم بن عوف بن الخزرج وكان قبيحاً دميماً شاعراً بليغاً، فمضى حتى قدم الشام على ملكٍ من ملوك غسان الذين ساروا من يثرب إلى الشام يقال له: أبو جبيلة، من ولد جفنة بن عمرو بن عامر، وقيل: كان أحد بني جشم بن الخزرج وكان قد أصاب ملكاً بالشام وشرفاً.
فشكى إليه الرمق حالهم وغلبة اليهود عليهم وما يتخوفون منهم، وإنهم يخشون أن يخرجوهم. فأقبل أبو جبيلة في جمع كبير لنصرة الأوس والخزرج، وعاهد الله لا يبرح حتى يخرج من بها من اليهود أو يذلهم ويصيرهم تحت يد الأوس والخزرج. فسار وأظهر أنه يريد اليمن حتى قدم المدينة وهي يومئذٍ يثرب، فلقيه الأوس والخزرج وأعلمهم ما جاء به.
فقالوا: إن علم القوم ما تريد تحصنوا في آطامهم فلم نقدر عليهم، ولكن ادعهم للقائك وتلطف بهم حتى يأمنوك ويطمئنوا فتتمكن منهم.
فصنع لهم طعاماً وأرسل إلى وجوههم ورؤسائهم، فلم يبق من وجوههم أحدٌ إلا أتاه، وجعل الرجل منهم يأتي بخاصته وحشمه رجاء أن يحبوهم الملك. وقد كان بنى له حيزاً وجعل فيه قوماً، وأمرهم من دخل عليهم منهم أن يقتلوه حتى أتى على وجوههم ورؤسائهم، فلما فعل ذلك عزت الأوس والخزرج في المدينة، واتخذوا الديار والأموال، وانصرف أبو جبيلة راجعاً إلى الشام وتفرقت الأوس والخزرج في عالية المدينة وسافلتها، وبعضهم جاء إلى عفاً من الأرض لا ساكن فيه فنزله، ومنهم من لجأ إلى قرية من قراها واتخذوا الأموال، والآطام، فكان ما ابتنوا من الآطام