هر! قلت: لبيك يا رسول الله، قال: بقيت أنا وأنت، قلت: صدقت يا رسول الله، قال: اقعد فاشرب، فقعدت فشربت، فقال: اشرب، فشربت فما زال يقول اشرب حتى قلت: والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكاً، قال: فأرني، فأعطيته القدح، فحمد الله وسمى وشرب الفضلة)) .
وروى أهل السير: أن محمد بن مسلمة رضي الله عنه رأى أضيافاً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فقال: ألا تفرق هذه الأضياف في دور الأنصار، ونجعل لك من كل حائط قنواً ليكون لمن يأتيك من هؤلاء الأقوام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بلى، فلما جد ماله جاء بقنوٍ فجعله في المسجد بين ساريتين، فجعل الناس يفعلون ذلك، وكان معاذ بن جبل رضي الله عنه يقوم عليه، وكان يجعل عليه حبلاً بين الساريتين، ثم يعلق الأقناء على الحبل، ويجمع العشرين أو أكثر، فيهش عليهم بعصاه من الأقناء فيأكلون حتى يشبعوا، ثم ينصرفون ويأتي غيرهم، فيفعل لهم مثل ذلك، فإذا كان الليل فعل لهم مثل ذلك.
[ذكر العود الذي في الأسطوانة التي عن يمين القبلة]
روى أهل السير: عن مصعب بن ثابت قال: طلبنا علم العود الذي في مقام النبي صلى الله عليه وسلم، فلم نجد أحداً يذكر لنا منه شيئاً، حتى أخبرني محمد بن مسلم بن السائب صاحب المقصورة أنه جلس إلى جنبه أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: تدري لم صنع هذا العود؟ قلت: لا أدري! قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع عليه يمينه، ثم يلتفت إلينا فيقول:((استووا وعدلوا صفوفكم)) .
فلما توفي رسول الله سرق العود، فطلبه أبو بكر رضي الله عنه فلم يجده، حتى وجده عمر رضي الله عنه عند رجل من الأنصار بقباء وقد دفن في الأرض فأكلته الأرضة، فأخذ له عوداً فشقه، ثم أدخله فيه، ثم شعبه ورده إلى الجدار. وهو العود الذي وضعه عمر بن عبد العزيز في القبلة، وهو الذي في المحراب اليوم باق.