روى أهل السير: أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف طرح له فراشه ووضع له سرير عند أسطوانة التوبة.
[ذكر أسطوانة التوبة]
قال ابن إسحاق: لما حاصر رسول الله بني قريظة، بعثوا إليه: أن ابعث لنا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف –وكانوا حلفاء الأوس- نستشيره في أمرنا، فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فلما رأوه قام إليه الرجال وأجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه، فرق لهم، فقالوا له: يا أبا لبابة! أترى أن ننزل على حكم محمد؟ قال: نعم، وأشار بيده إلى حلقه أنه الذبح.
قال أبو لبابة: فوالله ما زالت قدماي حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله، ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده، وقال: لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله علي مما صنعت، -وعاهد الله أن لا يطأ بني قريظة أبداً- فلا تراني ولا يراني الله في بلد خنت الله ورسوله فيه أبداً.
فلما بلغ رسول الله خبره وأبطأ عليه، وكان قد استبطأه، قال:((أما لو جاءني لاستغفرت الله له، فأما إذا فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه، فأنزل الله توبته على رسول الله وهو في بيت أم سلمة)) .
قالت أم سلمة رضي الله تعالى عنها: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من السحر يضحك، فقلت: مم تضحك يا رسول الله؟ أضحك الله سنك، قال: تيب على أبي لبابة. فقلت: ألا أبشره بذلك يا رسول الله؟ قال:((بلى إن شئت)) ، قال: فقامت على باب حجرتها وذلك قبل أن يضرب الحجاب، فقالت: يا أبا لبابة! أبشر فقد تاب الله عليك. قال: فثار الناس ليطلقوه، قال: لا والله حتى يكون رسول الله هو الذي يطلقني بيده، فلما مر عليه