قلت: لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، نزل في بني عمرو بن عوف بقباء في منزل كلثوم بن الهدم، وأخذ مربد فأسسه مسجداً وصلى فيه. ولم يزل ذلك المسجد يزوره رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة حياته ويصلي فيه أهل قباء، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تزل الصحابة تزوره وتعظمه.
ولما بنى عمر بن عبد العزيز مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، بنى مسجد قباء ووسعه، وبناه بالحجارة والجص، وأقام فيه الأساطين من الحجارة بينها غواميد الحديد والرصاص ونقشه بالفسيفساء، وعمل له منارة وسقفه بالساج وجعله أروقة، وفي وسطه رحبة، وتهدم على طول الزمان حتى جدد عمارته جمال الدين الأصبهاني وزير بني زنكي، الملوك ببلاد الموصل.
وذرعت مسجد قباء فكان طوله ثمان وستين ذراعاً تشف قليلاً، وعرضه كذلك، وارتفاعه في السماء عشرون ذراعاً، وطول منارته سطحه إلى رأسها اثنان وعشرون ذراعاً، وعلى رأسها قبة طولها نحو العشرة أذرع، وعرض المنارة من جهة القبلة عشرة أذرع شافة، ومن المغرب ثمانية أذرع، وفي المسجد تسعة وثلاثون أسطواناً، بين كل أسطوانين سبعة أذرع شافة، وفي جدرانه طاقات نافذة إلى خارج، في كل جانب ثمان طاقات إلى الجانب الذي يلي الشام، فإن الثامنة فيها المنارة، فهي مسدودة، والمنارة عن يمين المصلى وهي مربعة.
[مسجد الفتح]
أنبأنا حنبل بن عبد الله الرصافي، قال: أخبرنا أبو القاسم بن الحصين، أخبرنا أبو علي بن المذهب، أنبأنا أبو بكر القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا أبو عامر كثير – يعني ابن زيد-، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، قال: حدثني جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا في مسجد الفتح يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء، فاستجيب له يوم الأربعاء بعد الصلاتين فعرف البشر في وجهه)) .