حتى اشتد به وجعه وهو في بيت ميمونة، فدعا نساءه وكن تسعاً: عائشة وحفصة وأم سلمة وأم حبيبة وسودة وزينب وميمونة وجويرية وصفية رضي الله عنهن، فاستأذنهن على أن يمرض في بيت عائشة، فأذن له فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي بين العباس وعلي رضي الله عنهما عاصباً رأسه، تخط قدماه الأرض حتى دخل بيت عائشة، ثم حم رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد وجعه فقال: هريقوا علي من سبع قرب من آبار شتى حتى أخرج إلى الناس فأعهد إليهم، فأقعدوه صلى الله عليه وسلم في مخضب وصبوا عليه الماء.
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عاصباً رأسه حتى جلس على المنبر، فصلى على أصحاب أحد واستغفر لهم وأكثر الصلاة عليهم، ثم قال: إن عبداً من عباد الله خيره الله عز وجل بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عنده، قال: ففهمها أبو بكر، وعرف أن نفسه يريد وقال: بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا، ثم قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: يا معشر المهاجرين استوصوا بالأنصار خيراً، فإن الناس يزيدون والأنصار على هيئتها لا تزيد، وإنهم كانوا عيبتي التي أويت إليها، فأحسنوا إلى محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم، ثم نزل فدخل بيته وتتام به وجعه.
وروى البخاري في ((الصحيح)) من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ((ما رأيت أحداً الوجع عليه أشد من رسول الله صلى الله عليه وسلم)) .
وفيه أيضاً: من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: ((دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك، فقلت: يا رسول الله إنك توعك وعكاً شديداً، قال: أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم)) .
ولما اشتد به وجعه صلى الله عليه وسلم، جاءه بلال يؤذنه بصلاة الفجر من يوم الاثنين قال:((مروا أبا بكر فليصل بالناس)) ، فلما تقدم أبو بكر رضي الله عنه يصلي بالناس، وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفةً فخرج على الناس.