للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان تاجراً يغدو كل يوم إلى السوق فيبيع، وكانت له قطعة غنم تروح عليه، وربما خرج بالغنم لرعيها، وربما كفيها ورعيت له، وكان يحلب للحي أغنامه.

فلما بويع له بالخلافة قالت جارية من الحي: الآن لا يحلب لنا منائح دارنا، فسمعها أبو بكر رضي الله عنه فقال: بل لعمري لأحلبنها لكم، وإني لأرجو ربي أن لا يغيرني ما دخلت فيه عن خلقٍ كنت عليها، فكان يحلب لهم.

ثم نزل المدينة فأقام بها ونظر في أمره، فقال: والله ما يصلح أمر الناس والتجارة، وما يصلحهم إلا التفرغ لهم والنظر في شأنهم، ولا بد لعيالي مما يصلحهم، فترك التجارة واستنفق من بيت مال المسلمين ما يصلحه ويصلح عياله يوماً بيوم، ويحج ويعتمر.

وكان الذي فرضوا له في كل سنة ستة آلاف درهم، فلما حضرته الوفاة قال: ردوا ما علي من مال المسلمين، فإني لا أصيب من هذا المال شيئاً، وإن أرضي التي بمكان كذا وكذا للمسلمين بما أصبت من أموالهم، فدفع ذلك إلى عمر رضي الله عنه، فقال عمر: لقد أتعب من بعده.

روى البخاري في ((الصحيح)) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخلت على أبي بكر رضي الله عنه، فقال: في كم كفنتم النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة، وقال لها: في أي يوم توفي رسول الله؟ قالت: يوم الاثنين، قال: فأي يوم هذا؟ قالت: يوم الاثنين، قال: أرجو فيما بيني وبين الليل، فنظر إلى ثوب عليه كان يمرض فيه، به ردعٌ من زعفران، فقال: اغسلوا ثوبي هذا وزيدوا عليه ثوبين فكفنوني فيهما، قلت: إن هذا خلق، قال: إن الحي أحق بالجديد من الميت إنما هو للمهلة، فلم يتوف حتى أمسى من ليلة الثلاثاء، ودفن قبل أن يصبح)) .

وكان آخر ما تكلم به أبو بكر رضي الله عنه: رب توفني مسلماً وألحقني بالصالحين، وتوفي بين المغرب والعشاء من ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة، فكانت خلافته

<<  <   >  >>