مَكْشُوفِ الرَّأْسِ، مَا مَعَهُ رَكْوَةٌ وَلا عَصَى، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: أُدْرِكُ الْفَتَى، فَإِنْ كَانَ جَائِعًا أَطْعَمْتُهُ، أَوْ عَطْشَانًا سَقَيْتُهُ، أَوْ ضَالا هَدَيْتُهُ، فَبَادَرْتُ إِلَيْهِ حَتَّى بَقِيَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ ذراع، فبعد حتى غاب عن عيني، فقلت: هذا شيطان. فإذا به يناديني: لا، بَلْ سَكْرَانُ. فَنَادَيْتُهُ بِالَّذِي بَعَثَ مُحَمْدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا أَلا وَقَفْتَ، فَقَالَ: يَا فَتَى! أَتْعَبْتَنِي وتَعِبْتَ.
فَقُلْتُ لَهُ: رَأْيَتُكَ وَحْدَكَ، فَأَرَدْتُ خِدْمَتَكَ، فَقَالَ: مَنْ يَكُنِ الله معه هو وحده. فقلت: ما أرى معك زاد! فَقَالَ: إِذَا جُعْتُ فَذِكْرُهُ زَادِي، وَإِذَا عَطِشْتُ فمشاهدته سؤلي ومرادي. فقلت: أنا جائع فأطعمني. فقال: أولم تُؤْمِنْ؟ قُلْتُ: بَلَى، وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي. فَضَرَبَ بِيَدِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ وَكَانَتِ الأَرْضُ رَمْلَةً فَقَبَضَ قبضة وقال: كل يا مخدوع، وإذا به سويق محمص أَلَذُّ مَا يَكُونُ. فَقُلْتُ: مَا أَلَذَّهُ. فَقَالَ: فِي الْبَادِيَةِ مِنْ هَذَا كَثِيرٌ لَوْ عَقِلْتَ. فَقُلْتُ لَهُ: حَلِنِي. فَرَكَضَ بِرِجْلِهِ وَإِذَا قَدْ نبعت من تحت قدمه عَيْنٌ مِنْ عَسَلٍ، فَجَلَسْتُ لآكُلَ مِنْ تِلْكَ الْعَيْنِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَمَا رَأَيْتُهُ، فَأَنَا أَخْدِمُ الْفُقَرَاءَ لَعَلِّي أَرَى مِثْلَ ذَلِكَ الْفَتَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute