كانت هذه الآية بالنسبة للنبي، وللتاريخ المرة الأولى التي تظهر فيها (الظاهرة القرآنية) التي ستضم بين دفتيها الثلاثة والعشرين عاماً الأخيرة من حياة النبي.
ومن هذه اللحظة أصبح لدى النبي الأمي شعور"بأن كتاباً قد طبع في قلبه"(١) ولكن لم يكن له أن يتصفحه كما يشاء، ولا أن يطلع عليه كما يهوى، إذ أنه سيوحى إليه كلما دعت حاجة الرسالة.
ولقد يتأخر الوحي ويبطئ، حتى عندما تلح إحدى الحالات العاجلة: ولتكن حالة اتخاذ قرار، أو سن تشريع لمناسبة معروضة على النبي.
ولنذكر إحدى هذه الحالات؛ ففي بدء الرسالة، وعلى وجه التحديد بعد الوحي الأول الذي رويناه، انتظر النبي زمناً طو يلاً، أكثر من عامين، قبل أن يرى للمرة الثانية زائره الغريب ويسمع صوته. لقد يئس منه، وأخذ الشك يستولي مرة أخرى على نفسه التواقة إلى اليقين، فهو يعتقد أنه إما أن يكون قد خدع في جوارحه، وإما أن القدرة قد تخلت عنه، تلك التي اعتقد حيناً أنها هي التي تقوده.
(١) في السيرة الحلبية ج ١ ص ٣٢٨ نص يوهم بهذا المعنى ((فكأنما كتب في قلبي كتاباً)) ويحتمل أن يكون معناه على المصدرية. (المترجم)