للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته" (١).

هذا التفصيل التاريخي الذي ترويه السيرة ببساطة، يثبت لنا إخلاص (محمد المطلق)، ويرينا اقتناعه الشخصي لم يكن قائماً على شبه معجزة.

وعلى كل حال، ففي ضوء وثيقة نفسية كهذه لا يمكن أن نعد هذا الاقتناع نتيجة استعداد عقلي غير سليم، واتجاه منحرف لتفسير بعض الأحداث العارضة داخل الذات، أو الخارجة عنها بأنها آية علوية، إن محمداً ذو فكر موضوعي، لا يميل إلى تأييد دعوته بغير معجزته الوحيدة: (القرآن).

إن الملحمة المحمدية قد بلغت الآن أوجها، ووصلت دعوة النبي إلى نهايتها، وإنه ليستشعر ذلك. وهو يودع صاحبه معاذ بن جبل ويملي عليه وصاياه الأخيرة، وهو ذاهب إلى اليمن لينشر دعوة الإسلام قال: " لو حدث لي أن أراك يوماً فسأوجز لك ما عندي من الوصايا، ولكن هذه هي المرة الأخيرة التي أحادثك فيها، ولن نجتمع إلا يوم الحشر (٢) ".

ولقد كان لدى أبي بكر وعمر الشعور نفسه نحو النبي، فلقد كانا يعتقدان أن أجل الوحي قد دنا، وأن إشارة إلى نهاية النبي القريبة قد وردت في قوله تعالى:

{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر ١١٠/ ١ و ٢ و ٣].

فمن كل وجه، يبدو النبي مهتماً بدنو أجله، وأنه يأخذ أهبته الأخيرة، فهو يريد أن يملي وصاياه على الأمة، واختار لذلك مناسبة عظيمة حافلة، فأعلن عن رغبته في أداء فريضة الحج ذلك العام، وغادر المدينة ومعه آلاف الحجاج،


(١) رواه البخاري.
(٢) ليس لهذا الخبر أثر في كتب الحديث (ف).

<<  <   >  >>