ومن الممكن أن يقال: إن الأمر هنا يتعلق بفكرة معتسفة تحدد اتفاقاً نقطة بدء في تقسيم الزمن، ومع ذلك فليس ما يمنع من تفسير الآية طبيعياً، مع اعتبارنا المعنى العام للنص، ولعلها في هذه الحالة تتفق مع الفكرة العلمية عن (الليل) من حيث كونه ظاهرة طبيعية أعقبت البرودة التدريجية للأرض؛ إذ الواقع أنه طالما كانت الأرض كتلة ملتهبة فإنها لم تكن تعرف الليل، فكانت في نهار طبيعي دائم.
وأخيراً فإن هذا الوصف الكوني مكمل بأفكار قرآنية أخرى، ليست بأقل أهمية في إثبات التوافق مع الحقيقة العلمية، ولنا أن نذكر خاصة خط مسير الشعاع الضوئي في الجو، فنحن نعلم أن الجوَّ هو:"تراكب طبقات متتابعة تقل فيما بينها كثافة الهواء ابتداء من الأرض"، وفي وسط كهذا يجب أن يكون مسلك الشعاع الضوئي طبقاً للقانون الثاني للعالمين (الهيثم (١) - ديكارت)، وهو (قانون الانكسار)، ولكن القرآن الذي يلفت أنظارنا دائما إلى ظواهر الطبيعة
(١) هو أبو علي الحسن بن الهيثم- ولد بالبصرة عام ٣٥٥ هـ "٩٦٥م"، ومات بالقاهرة عام ٤٣٠ هـ "١٠٢٨ م" وكان من علماء الرياضة المبرزين، وقد استطاع أن ينقل رسائل المتقدمين في الرياضة والطبيعة، وأن يضع الكثير من الرسائل في هاتين المادتين وفي الطب الذي كان مهنته الأصلية، ومن أهم مؤلفاته كتابه (المناظر) عن البصريات والضوء، وأصله العربي مفقود ولم تبق إلا ترجمته اللاتينية التي قام بها (وتلو Wltele) عام ١٢٧٠م، وهو صاحب نظريات: انتشار الضوء، والألوان، وخداع البصر، والانعكاس، كما تناول موضوع انكسار الأشعة الضوئية التي تمر في أوساط شفافة كالهواء والماء، وذلك قبل أن يثبت (سمل Smell) و (ديكارت Descarte) قانون الجيوب في الضوء بستة قرون تقريباً. وللحسن رسالة في الضوء، وأخرى عن ظواهر الشفق وألوان الطيف والهالة والظل والكسوف والخسوف ... لخ .. (المترجم)