للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعتزلة ولسانها: (أبو اسحق إبراهيم بن سيار النظام). فأتاه من قبل الرأي والنظر، حتى زعم أن الله قد صرف العرب عن معارضة القرآن، مع قدرتهم عليها، ف كانت هذه الصرفةُ هي المعجزة؛ أما معجزة القرآن فهي في إخباره بكل غيب مضى وكل غيب سيأتي. وهذه مقالة لا أصل لها إلا الحيرة والابتهار من هذا الذي أعجز أهل الجاهلية وأسكتهم. وهب قوم يعارضونه ويجادلونه، منهم صاحبه أبو عثمان الجاحظ، فألف كتابه في (نظم القرآن)، وأنه غاية في البلاغة، وقال الجاحظ وغيره ومن يليهم، ولكن ظل الأمر محصوراً في إثبات (الصرفة) وإبطالها، وفي طرف من الاستدلال على بلاأغة القرآن وسلامته مما يشين لفظه، وخلوه من التناقض، واشتماله على المعاني الدقيقة، وما فيه من نبأ الغيب، إلى آخر ما تجده مبسوطاً في كتب القوم، والذي عرفت قولنا فيه فيما مضى من كلامنا.

ثم كثرت اللجاجة بين هذه الفئات ممن عرفوا باسم المتكلمين، وكان أمرهم أمر جدال وبسطة لسان وغلبة حجة ومناهضة دليل بدليل، حتى إذا صارت مسألة (إعجاز القرآن) مسألة تستوجب أن ينبري لها رجل صادق، انبرى لهؤلاء المتكلمين (أبو بكر الباقلاني) المتوفى سنة ٤٠٣ هـ، والناس يومئذ بين رجلين، كما قال هو نفسه: ((ذاهب عن الحق، ذاهل عن الرشد، وآخر مصدود عن نصرته مكدود في صنعته؛ فقد أدى ذلك إلى خوض الملحدين في أصول الدين، وتشكيكهم أهل الضعف في كل يقين، وذكر لي عن بعض جهالهم أنه جعل يعدله ببعض الأشعار، ويوازن بينه وبين غيره من الكلام، ولا يرضى بذلك حتى يفضله عليه، وليس هذا ببدع من ملحدة هذا العصر، وقد سبقهم إلى عُظْمِ ما يقولون إخواخم من ملحدة قريش وغيرهم)) (كتابه إعجاز القرآن ص٥، ٦) فهذا هو الذي حفزه وأهاجه، حتى كتب كتابه المعروف (إعجاز القرآن).

وكتب الباقلاني كتابه وأهل اللسان العربي يومئذ هم الناس، ولم يزل

<<  <   >  >>