الدولة الإسلامية انتهى بتغلب البيزنطيين عليها، واسترجاع جزيرة كريت في عهد الإمبراطور رومانوس الثاني في عام ٣٤٩ هـ/٩٦٠ م، فتفرق أمر الأندلسيين فيها، وبقية المسلمين، فرجع قسم منهم إلى الأندلس، وقسم آخر إلى مصر وصقلية (٣٤). وهكذا نرى أن فتنة الربض لم تؤثر فقط على الأندلس، بل شمل تأثيرها أماكن بعيدة جداً، وحمل الألوف من الأندلسيين هذا التأثير الإيجابي الفعال إلى الأماكن التي هاجروا إليها.
رابعاً: - حركات المولدين:
لقد سبقت الإشارة إلى أن المولدين كانوا من سكان أهل البلاد الإسبان والقوط الذين اعتنقوا الدين الإسلامي منذ الفتح، واندمجوا في المجتمع الجديد الذي يضم العرب والبربر والمولدين والمستعمَرين، أي النصارى الإسبان الذين آثروا الاحتفاظ بدينهم، لكنهم تأدبوا بآداب اللغة العربية، وبعادات العرب. وقد كان المولدون يطمحون إلى وضع اجتماعي وسياسي أفضل، وذلك بمشاركة العرب في الحكم والسلطان.
ثم تحول موقفهم بالتدريج إلى التمرد ومحاولة الاستقلال عن سلطان بني أمية في قرطبة. ومما شجع المولدين على السير بهذا الاتجاه، تركز مجموعات كبيرة منهم في مناطق جغرافية تساعد على الانفصال والتمرد، وبشكل خاص في مناطق الثغور، أي المدن القريبة من خط الحدود مع الدول المسيحية في الشمال، مثل سرقسطة في الشمال الشرقي وطليطلة في الوسط، وماردة في الغرب. وقد دعمت قرطبة بعض القبائل العربية في المناطق التي كثرت فيها حركات المولدين، مثال ذلك أسرة بني تجيب العربية التي سكنت في منطقة الثغر الأعلى. ونظراً لكثرة حركات المولدين وثوراتهم في عهد الإمارة الأموية، فسوف نقتصر على مثال واحد فقط عن مدينة طليطلة، التي ثار فيها المولدون على الأمير الحكم الأول، وابنه عبد الرحمن الثاني.
فبالإضافة إلى كثرة عدد المولدين في طليطلة، فإن أهلها لم ينسوا عز هذه المدينة ومجدها قبل الفتح، وأنها كانت عاصمة البلاد. وكان أهلها يعتزون أيضاً بثروتهم وحصانة مدينتهم التي تقع على نهر تاجة، ولذا نجدهم يساهمون في الكثير من الفتن التي كانت تقوم على حكومة قرطبة، ويتحينون الفرص دائماً لشق عصا الطاعة، والاستقلال بمدينتهم. ولكن الأمراء الأمويين قاوموا هذه الثورات والفتن، واستعملوا
(٣٤) انظر: ابن القوطية، ص ٥١ - ٥٢؛ أعمال الأعلام، ص ١٦؛ المقري: ١/ ٣٣٩؛ سالم، المرجع السابق، ص ٢٢٤ - ٢٢٥؛ أحمد العدوي، الدولة الإسلامية وإمبراطورية الروم، القاهرة، ١٩٥٨، ص ١٠٧ - ١١٠؛ أحمد بدر، المرجع السابق، ص ١٢٤ - ١٢٥.