لم يقم المستعربون بحركات عنف وتمرد على الدولة الأموية في الأندلس على نطاق واسع، ولكن بعضهم شارك في فتن المولدين التي كانت تقوم في المناطق المختلفة من البلاد. ومع هذا، فقد حاول بعض المستعربين المتطرفين في قرطبة إثارة فتنة هوجاء ضد الحكم العربي الإسلامي في الأندلس. وكان أبطال هذه الحركة جماعة من غلاة رجال الدين المتعصبين الذين نقموا على سيادة العرب والإسلام في البلاد. والواقع أن دوافع هؤلاء لم تكن لها علاقة بأي اضطهاد ديني للمسيحيين، لأن التسامح الديني كان سائداً في الأندلس، وبشكل خاص في عهد الأمير عبد الرحمن الثاني الذي حدثت في عهده هذه الحركة. فكانت حرية المعتقد مضمونة، وعاش رجال الدين المسيحي من أساقفة ورهبان في أمن وسلام، لا يتعرض لهم حكام المسلمين بسوء وكان المستعربون بشكل خاص قد تحسنت حالتهم الاجتماعية والاقتصادية إلى حد كبير، بل إن عدداً كبيراً منهم استطاع أن ينال مراتب عالية في الإدارة والجيش. وامتهن الباقون التجارة في المدن والثغور، كما عملوا في مزارعهم الخاصة أو في ضياع المسلمين دون إكراه أو استغلال.
ولكن هذه الحالة الفريدة من التسامح، التي رضي ورحب بها غالبية المستعربين، لم تلقَ التأييد من جانب القسس المتعصبين في الكنائس والأديرة، الذين ظلوا قابعين في أماكنهم بعيدين عن التطور الذي حل بجماعتهم. ذلك التطور والاندماج الذي أدى إلى تكلم المستعربين بلغة الفاتحين العرب، وتفننهم في استخدام الفصحى وقول الشعر، وقراءة أمهات كتب الأدب. بل إن الكثير من المستعربين اقتبسوا عادات الفاتحين وتقاليدهم الاجتماعية التي كانت، كما يرى رجال الدين المتعصبون لا تتلاءم مع العقيدة المسيحية، مثل الختان، واتخاذ الجواري، والمصاهرة مع المسلمين. والحقيقة أن إطلاق اسم المستعربين Mozarabes على هؤلاء، يدل دلالة قاطعة على مدى الميول والاتجاهات نحو الثقافة العربية، التي كانت تتغلغل في نفوس هذه الطبقة من المجتمع الأندلسي. فأهملوا دراسة اللغة اللاتينية، التي هي لغة الدين المسيحي، وانصرفوا عن قراءة المصنفات الدينية المكتوبة بها، فأدى هذا بالتدريج إلى ذوبان الحضارة المسيحية اللاتينية. ولقد بلغت اللغة اللاتينية في بعض أجزاء إسبانيا درجة كبيرة من الانحطاط، حتى بات من الضرورة أن تترجم قوانين الكنيسة الاسبانية القديمة والإنجيل إلى اللغة العربية ليسهل استعمالها على المسيحيين.