التي جاءت نتيجة الاستعراب، استمرت بقية عهد الأمير عبد الرحمن الثاني، ولم تنته إلا في بداية حكم ابنه الأمير محمد، حيث أعدم أيلوخيو المحرض عليها في عام ٢٤٥هـ/٨٥٩ م (٣٧).
سادساً - الفتن والاضطرابات في فترة ضعف الإمارة الأموية:
ابتدأت بوفاة عبد الرحمن الثاني أو الأوسط عام ٢٣٨ هـ/٨٥٢ م فترة مضطربة، تمزقت فيها وحدة الأندلس السياسية، وقام المنشقون والمتمردون في كل مكان على حكومة الإمارة في قرطبة. ولم يكن الأمراء الذين تولوا في هذه الفترة، التي امتدت نحو اثنين وستين عاماً، يضاهون في كفاءتهم ومقدرتهم الأمراء الأوائل، وإن كان بعضهم يتمتع بمواهب جيدة في الإدارة والقيادة، ولكن ظروف العصر كانت غير عادية، وبالتالي تحتاج إلى رجال أفذاذ، وحكام غير اعتياديين. ومن هنا، فإنه من غير الصواب تحميل أمراء هذه الفترة الثلاثة، وهم كل من الأمير محمد بن عبد الرحمن، وابنيه المنذر بن محمد، وعبد الله بن محمد، مسؤولية الانهيار السياسي والاضطراب التي ميزت هذه الحقبة. فلقد كانت البيئة الاجتماعية في الأندلس غير منسجمة، لأنها تتألف من شعوب وأجناس مختلفة تتنافر مصالحها مع بعضها البعض، ولا يجمعها سوى قوة السلطة المركزية في قرطبة. وهذه الفئات، كما أسلفنا، كانت تتألف من أهالي البلاد، بنوعيهم المسلمين الذين سموا بالمولدين، والمستعربين الذي ظلوا على ديانتهم المسيحية، وكذلك من الفاتحين العرب والبربر. ولم يكن الانسجام التام سائداً حتى بين الفاتحين أنفسهم، فالخلافات بين القبائل العربية كانت ما تزال تعمل عملها في الفرقة، وكذلك البربر الذين كان عددهم يفوق عدد العرب، ولهم طموح شديد، وتتنازعهم مشاعر السيطرة، والمشاركة في الحكم.
لقد كانت قوة الأمراء الأوائل هي العامل الوحيد الذي جمع بين هذه الأجناس، وجعلها تعيش في وئام مع بعضها، ولكن ما إن غابت هذه القوة حتى بدأت العناصر المختلفة بالتحرك والوثوب على سلطة الإمارة. وساعدها على ذلك طبيعة البلاد
(٣٧) لم يتطرق المؤرخون العرب إلى هذه الحركة التي ذكرت في مصادر أوروبية فقط، انظر على سبيل المثال: Levi-Provençal, op. cit., vol. I. pp. ٢٢٥-٢٣٩؛ أرنولد، الدعوة إلى الإسلام، ترجمة: حسن ابراهيم حسن، القاهرة، ١٩٧١، ص ١٥٧ - ١٦٧؛ وانظر أيضاً: عنان المرجع السابق، ص ١٩٤ - ٢٠٦؛ بيضون، المرجع السابق، ص ٢٤٤ - ٢٥١.