للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجغرافية الجبلية، وسهولة إعلان العصيان والالتجاء إلى المناطق المنيعة. كما زاد من هذه الحالة أيضاً وقوّاها، العلاقة العدائية التي كانت سائدة بين الإمارة الأموية، والإمارات النصرانية الاسبانية في الشمال، التي كانت تساعد في إذكاء روح التنافر والخلاف بين هذه الأجناس، وتحضها على شق عصا الطاعة، خدمة لمصالحها التوسعية في الأندلس (٣٨). وقد أوضح لنا مؤرخ أندلسي، وهو ابن الخطيب، الأسباب التي أدت إلى كثرة الثوار والمتمردين في الأندلس، ودوافعهم للقيام على حكومة الإمارة في قرطبة، وهي تتلخص في ثلاثة أسباب، الأول: هو منعة البلاد وحصانة المعاقل وبأس أهلها بسبب تجاورهم مع النصارى في الشمال، والثاني: هو علو الهمم وشموخ الأنوف، وقلة الاحتمال للطاعة، لأن من دخل الأندلس من العرب والبربر كانوا أشرافاً يأنف بعضهم من الإذعان لبعض، والثالث: هو الاستناد عند الضيق والاضطرار إلى ملوك النصارى الذين كانوا يحرصون على ضرب المسلمين بعضهم ببعض (٣٩).

لقد أطلق المؤرخون على هذا العصر، الذي تميز باضمحلال السلطة الأموية واقتصارها على قرطبة ونواحيها فقط، اسم عصر الانتكاسة، أو دويلات الطوائف الأولى، تمييزاً له عن عصر الطوائف الذي أعقب سقوط الخلافة الأموية في قرطبة عام ٤٢٢ هـ/١٠٣١ م. فظهرت في هذه الحقبة جماعات عديدة خرجت على السلطة واستقلت في النواحي التي كانت تستقر فيها، وسنذكر باختصار أهم هذه الجماعات:

أ - الخارجون من العرب:

ومن أهم هؤلاء بنو حجاج، الذين استقلوا بإشبيلية وقرمونة بزعامة إبراهيم بن حجاج بن عمير اللخمي. وقد ازدهرت إشبيلية في عهده، كما نافس أمير قرطبة وقلده فى عظمة بلاطه، ومظاهر الترف، واجتذاب الأدباء والشعراء، وتشجيع رجال العلم. وكان الكاتب أحمد بن عبد ربه، صاحب كتاب " العقد الفريد " من أشهر من تألق في بلاطه (٤٠).

وبرز بعض الزعماء العرب الآخرون في جهات عديدة من البلاد مثل محمد بن أضحى الهمداني، وسعيد بن سليمان بن جودي في كورة البيرة، وبنو المهاجر التجيبيون


(٣٨) قارن: أحمد مختار العبادي، المرجع السابق، ص ١٦٧ - ١٦٨؛ بيضون، المرجع السابق، ص ٢٦٥ - ٢٦٦، ٢٨٥.
(٣٩) أعمال الاعلام، ص ٣٦، وانظر: سالم، المرجع السابق، ص ٢٤٤.
(٤٠) المقتبس، نشر: أنطونيا، ص ١١ - ١٢؛ ابن عذاري: ٢/ ١٢٥ - ١٣١.

<<  <   >  >>