للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سرقسطة إن هو ساعده على قتال عبد الرحمن. فرحب شارلمان بهذا المشروع، خاصة بعد أن فرغ من قتال السكسون وأجبرهم على اعتناق المسيحية. وكانت دوافع شارلمان للهجوم على الأندلس سياسية بحتة، وإن كانت مبطنة بمظهر ديني هدفه حماية النصرانية، وتخليص جليقية من أيدي المسلمين (٤٥). وفي الحقيقة كان شارلمان يريد تأمين حدوده الجنوبية بالاستيلاء على بعض المدن والقواعد في إسبانيا، بل إنه كان يرمي إلى السيطرة على إسبانيا كلها لو تيسر له ذلك ويدل على هذه السياسة التوسعية، ضخامة الجيش الذي حشده شارلمان لهذه الحملة، وكذلك مهاجمته لبلاد البشكنس، الذين كان قسم منهم من النصارى. ولهذا فلم تكن النزعة الدينية بارزة في هذه الحملة (٤٦).

ويرى بعض المؤرخين في مشروع شارلمان مؤامرة دولية واسعة النطاق، شارك فيها الخليفة العباسي محمد المهدي متحالفاً مع الكارولنجيين في سبيل القضاء على عبد الرحمن الأول واسترداد الأندلس (٤٧). ولكن هذا الرأي بحاجة إلى أدلة قوية، وهو عرضة للتشكيك، ولا يمكن الأخذ به بسهولة. فلم يكن المتآمرون يعملون إلا في سبيل مصالحهم الخاصة، فشارلمان تحدوه أطماع التوسع وضم البلاد، وبقية الزعماء الخونة الذين ارتضوا التعامل معه، لم يكن يدفعهم إلا شهوة الحكم والسيطرة، ولو كان ذلك خلاف مصالح الأمة والمبادئ. أما ما يقال عن اتصال أحد المتمردين، وهو عبد الرحمن بن حبيب الفهري المعروف بالصقلي، بالخليفة المهدي، فلا يقوم عليه دليل قوي في المصادر العربية (٤٨). وربما كان هذا قد عمل تحت ستار الخلافة العباسية ليحمل الناس على الالتفاف حوله. ولا يمكن أن يكون للعباسيين أية علاقة بما حدث في الأندلس، لبعدهم عنها، ولأنهم كانوا مشغولين بمشاكلهم السياسية الخاصة بهم التي هي أوجب من الإنصراف إلى التفكير في الأندلس البعيدة (٤٩).

قام شارلمان بالتوجه إلى إسبانيا في سنة ١٦٢ هـ/٧٧٨ م وذلك تنفيذاً للاتفاق الذي بينه وبين المتآمرين. فاتجه نحو جبال البرتات وعبرها، ثم هاجم بنبلونة عاصمة الباسك


(٤٥) انظر: كارلس ديفز، شارلمان، ترجمة: السيد الباز العريني، القاهرة، ١٩٥٩، ص ٩٨.
(٤٦) انظر: عنان، المرجع السابق: ١/ ١٧٣ - ١٧٤.
(٤٧) العبادي، المرجع السابق، ص ١٠٦، سالم، المرجع السابق، ص ٢٠١؛ إبراهيم طرخان،
المسلمون في أوروبا في العصور الوسطى، القاهرة، ١٩٦٦، ص ١٧٢.
(٤٨) انظر: أخبار مجموعة، ص ١١٠ - ١١١.
(٤٩) قارن: بيضون، المرجع السابق، ص ٢٠٣.

<<  <   >  >>