للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستولى عليها. واستمر في زحفه آملاً أن تفتح له سرقسطة أبوابها. ويبدو أن الحسين بن يحيى الأنصاري رفض الاستمرار في المؤامرة، فأغلق أبواب المدينة أمام شارلمان الذي شرع في حصارها تمهيداً للاستيلاء عليها بالقوة. ولكن الظروف ساعدت الأندلس، وبشكل خاص الأمير عبد الرحمن الأول، وذلك بفشل خطط شارلمان الذي تلقى أنباء تفيد بحدوث اضطرابات في بلاده، فاضطر إلى رفع الحصار عن سرقسطة، ورجع إلى بلاده بعد أن أخذ سليمان الأعرابي معه، ودمر في طريقه مدينة بنبلونة.

وبينما كان شارلمان يعبر مع جنوده من ممر رنسفالة أو باب شزروا، كما يسميها العرب، في جبال البرتات، هاجمته قوة مؤلفة من البشكنس أو الباسك، وقضت على مؤخرة جيشه (٥٠). وفي مصادرنا العربية ما يشير إلى اشتراك العرب في هذا الهجوم الذي قاده اثنان من أبناء سليمان الأعرابي، وهما مطروح وعيشون، اللذان استنقذا أباهما من الإفرنج ورجعا به إلى سرقسطة (٥١). وتشير المصادر الأوروبية إلى أن هذا الهجوم قد أفنى مؤخرة جيش شارلمان وقتل عدة قواد من أشهرهم، رولان Roland. وكان مصرع هذا القائد موضوعاً لأنشودة ملحمية تشيد ببطولة هذا القائد وإخلاصه، وهي من شعر الملاحم الفرنسي وتعرف باسم أنشودة رولان (٥٢).

وقد استطاع عبد الرحمن بعد فشل هجوم شارلمان أن يستعيد سرقسطة من المتمردين. أما شارلمان، فقد اضطر للتخلي عن سياسته العدوانية إزاء الأندلس، ولجأ إلى سياسة الدفاع وإقامة الحصون على الحدود، كما اضطر أيضاً إلى مهادنة الأمير عبد الرحمن، حتى يتفرغ لمشاكله الداخلية. ويذكر المقري أن اتصالات جرت بين العاهلين، لإحلال السلم بين دولة الفرنجة والأندلس، بل إن شارلمان طلب المصاهرة لتقوية العلائق بين البلدين، فتم السلم ولم تتم المصاهرة (٥٣). ولم يقم الأخير بأية مغامرة أخرى في إسبانيا، ونزع من خياله فكرة الاستيلاء عليها وضمها إلى أملاكه.


(٥٠) دوزي، المرجع السابق، ص ٢٣٠.
(٥١) ابن الأثير، ج ٦، ص ١٤.
(٥٢) انظر: ديفز، المرجع السابق، ص ١٠٢ - ١٠٣.
Levi-Provençal, op. cit., vol. I. pp. ١٢٥ - ١٢٦.
(٥٣) المقري: ١/ص ٣٣٠ - ٣٣١.

<<  <   >  >>