للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ - غارات النورمان على الأندلس:

كان النورمان أو (الفيكنج) Vikings من الأمم البحرية العريقة التي تسكن في البلاد الاسكندنافية، أي السويد، والنرويج، والدانمارك الحالية. وكلمة النورمان، تعني سكان الشمال، وهي تحريف لكلمة Norsemen الانكليزية أو Normandos الاسبانية (٥٤). وقد وردت تسمية هذه الأقوام في مصادرنا العربية بأشكال مختلفة، مثل المجوس، والأردمانيون. وكان من طبيعة هؤلاء النورمان حب المغامرة وجوب البحار بحثاً عن الأماكن الضعيفة في الشواطئ لمهاجمتها وسلبها. وقد شمل نشاطهم مناطق عديدة من الجزر البريطانية، وبلاد الإفرنج، إضافة إلى الشواطئ الأندلسية والمغربية. ويهمنا من هذه الجماعات تلك التي تنتمي إلى الدانمارك، والتي قامت بمهاجمة السواحل الأندلسية على فترات مختلفة، مدفوعة بدوافع اقتصادية بحتة، نظراً لما تتمتع به هذه السواحل من غنى ورخاء.

تعرضت شواطئ الأندلس الغربية إلى هجمات النورمان لأول مرة في أواخر عام ٢٢٩ هـ/٨٤٤ م، وذلك في عهد إمارة الأمير عبد الرحمن الثاني. فقد هاجم أسطول نورماني قوامه عدد كبير من المراكب والقوارب مدينة أشبونة، ولبثوا في مياهها نحو ثلاثة عشر يوماً التحموا فيها مع المسلمين في عدة معارك. وقد قاوم حاكم المدينة وهب الله بن حزم هذا الهجوم، وكتب إلى عبد الرحمن الثاني ينبئه بالأمر، فكتب الأمير إلى عمال الثغور والسواحل بالاحتراس (٥٥). ولكن النورمان وجهوا ضربة أخرى إلى سواحل الأندلس الغربية، فدخلوا في أوائل عام ٢٣٠ هـ/٨٤٤ م مصب نهر الوادي الكبير بعد أن مروا بقادس وعاثوا فيها. ثم تابعوا سيرهم حتى أدركوا مدينة إشبيلية وسيطروا عليها لعدة أيام. مارسوا خلالها أبشع جرائم القتل والتخريب والنهب. كما أشعلوا النار في مسجد إشبيلية الجامع (٥٦).

وقد فوجئ أهل الأندلس بهذا الخطر الجسيم، وبخاصة أن البحرية الأندلسية لم تكن قد وصلت إلى مرحلة قوية بعد، ولم تكن تمتلك سوى سفن قليلة تتركز في السواحل الشرقية، وبشكل خاص في المرية. ومع هذا، فقد أمر الأمير عبد الرحمن


(٥٤) انظر: العبادي، المرجع السابق، ص ١٤٨.
(٥٥) العذري، نصوص عن الأندلس، ص ٩٨؛ ابن عذاري: ٢/ ٨٧.
(٥٦) ابن القوطية، ص ٦٦؛ ابن عذاري: ٢/ ٨٧ - ٨٨.

<<  <   >  >>