للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأوسط باتخاذ إجراءات سريعة. وتشكيل فرق برية لمطاردة الغزاة في منطقة إشبيلية، والحيلولة دون تقدمهم في البلاد. فأخذوا يضعون لهم الكمائن، ويبثون السرايا التي تمنع النورمان من الرجوع إلى مراكبهم، كما جاءت إلى المنطقة إمدادات من قرطبة ومن الثغر الأعلى مما أدى إلى انهزام النورمان وتكبدهم خسائر فادحة بالقرب من قرية طلياطة Tejada بين لبلة وإشبيلية (٥٧).

وهكذا خرج النورمان من إشبيلية بعد أن عاثوا فيها ما يقارب اثنين وأربعين يوماً.

وقد نبه هذا الأمر الخطير الأذهان إلى ضرورة الاهتمام بالبحرية الأندلسية، وإقامة المراكز الدفاعية على السواحل الغربية. فشرع الأمير عبد الرحمن الأوسط بالقيام بعدة إجراءات سريعة، منها بناء سور حول مدينة إشبيلية ليقيها من أي هجوم مباغت. كما أمر ببناء دار لصناعة السفن الحربية في ميناء المدينة، واستخدم رجالاً متمرسين في حماية السواحل البحرية، ووسع عليهم بالأموال والآلات، التي شملت استخدام النفط المشتعل لقذفه على سفن الأعداء (٥٨).

لم يكتف الأمير عبد الرحمن الأوسط بهذه الإجراءات، بل حاول أيضاً القيام بعمل دبلوماسي ليبعد خطر النورمان عن بلاده، فجرت اتصالات بينه وبين ملك الدانمارك لإحلال السلم بين الطرفين. وقد انتدب الأمير عبد الرحمن أحد الرجال البارزين في بلاطه للقيام بسفارة إلى بلاد النورمان، وهو الشاعر يحيى بن حكم الغزال. وقد أسهب ابن دحية في وصف هذه السفارة وما تعرضت له من الأهوال في الطريق، وجهود الغزال والوفد الأندلسي في الاجتماع بالنورمان والاتصال بهم (٥٩). ويبدو أن ما توصل إليه هذا الوفد لم يكن إلا اتفاقاً مرحلياً، لأن النورمان عاودوا هجومهم على الأندلس في عهد الأمير محمد بن عبد الرحمن، وذلك في سنة ٢٤٥ هـ/٨٥٩ م وسنة ٢٤٧ هـ/٨٦١ م (٦٠).

ولكن لم يستطع النورمان أن يحققوا في هذين الهجومين انتصاراً يذكر، بل على العكس


(٥٧) المصدر نفسه، ج ٢، ص ٨٧ - ٨٨؛ العذري، ص ١٠٠.
(٥٨) انظر: ابن القوطية، ص ٦٧.
(٥٩) المطرب في أشعار أهل المغرب، تحقيق: مصطفى عوض الكريم، الخرطوم، ١٩٥٤، ص ١٣٠ فما بعدها؛
A. Ali El-Hajii, Andalusian Diplomatic Relations With Western Europe During the
Umayyad Period, Beirut, ١٩٧٠, pp. ١٧١ ff.
(٦٠) المقتبس، تحقيق مكي، ص ٣٠٧ - ٣٠٩، ٣١١ - ٣١٢؛ العذري، ص ١١٨ - ١١٩؛ ابن عذاري: ٢/ ٩٦.

<<  <   >  >>