للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي بزعامة الكونت فرنان كونثالث Fernan Gonzalez، أو فرّان غُنصَالِس، كما يسميه ابن الخطيب (٢٠). وكان كونثالث زعيماً قوياً ضد خصومه ملوك ليون، فأعلن الحرب على راميرو الثاني ملك ليون. وعلى الرغم من هزيمته وأسره من قبل الملك، ظل أنصاره من سكان القلاع مخلصين لزعيمهم المأسور، واستمروا في الثورة، مما اضطر راميرو الثاني إلى إطلاق سراحه. فعمل كونثالث على توطيد مركزه وتوحيد كل قشتالة تحت لوائه. وقد استطاع أن يحقق هذه الغاية، ويجعل الملك وراثياً في أبنائه في إمارة قشتالة المستقلة عن مملكة ليون. ثم أخذت هذه الإمارة تتسع شيئاً فشيئاً على حساب أراضي المسلمين والمسيحيين على السواء، حتى سيطرت على كل إسبانيا، كما سنرى فيما بعد، وصارت لغتها القشتالية هي اللغة الإسبانية الرسمية في البلاد (٢١).

لقد كانت العلاقات بين هذه الإمارات الإسبانية الثلاث، وغيرها من الإمارات الصغيرة الأخرى، مثل إمارة برشلونة التي كونت نواة لإمارة قطالونية Catalonia فيما بعد والتي دمجت في مملكة أراغون Aragon عام ٥٣٢ هـ/١١٣٧ م. تتذبذب بين السلم والحرب حسب مصالح واهتمامات حكامها ومطامعهم. فحينما تكون هناك منفعة مشتركة للجميع، يحصل التقارب بين هذه الإمارات لمواجهة المسلمين في الأندلس. ولكن تضارب المصالح، والنزاع على السلطة بين أفراد الأسر الحاكمة، أو ثورات النبلاء، ومحاولاتهم للاستقلال كانت تدفع بعض هؤلاء الأمراء الإسبان لطلب العون من الأمراء الأمويين في قرطبة. يضاف إلى ذلك، فإن سوء الأحوال الداخلية، كثيراً ما كانت تفرض على حكام الإمارات الإسبانية عقد السلم والمهادنة مع الدولة العربية الإسلامية. لكنهم إذا ما شعروا بالقوة، أو بانشغال المسلمين في مشكلة داخلية، لا يترددون في نقض عهودهم، وغزو الأراضي التابعة للأندلس (٢٢). ويمكن القول إجمالاً أن علاقات هذه الإمارات مع الدولة العربية الإسلامية، ومواطنيها كانت تشمل إلى جانب الحروب، وما يعقبها من مآسٍ ونكبات بالنسبة إلى الطرفين، أموراً أخرى تبرز في أوقات السلم والصفاء، كالمراسلات الدبلوماسية، وعلاقات المصاهرة، وانتقال التأثير الحضاري المشترك بين هذه الإمارات الإسبانية ومواطني الدولة العربية الإسلامية في الأندلس.


(٢٠) أعمال الاعلام، ص ٣٢٥.
(٢١) العبادي، المرجع السابق، ص ٧٨.
(٢٢) انظر: عبد الرحمن الحجي، أندلسيات، (٢)، ص ٥٤ - ٥٦.

<<  <   >  >>