للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العلاقات بين الأندلس والإمارات الإسبانية:

١ - العلاقات الحربية:

سادت العلاقات الحربية بصورة عامة بين الأندلس والإمارات الإسبانية في الشمال. وكانت الحملات العسكرية العربية تزداد كثافة باتجاه الشمال، كلما كانت الأحوال الداخلية مستقرة، والأوضاع هادئة في الأندلس، فيتفرغ الأمراء لمكافحة الخطر الخارجي المتمثل بالإمارات الإسبانية. وكذلك الحال بالنسبة لهذه الإمارات فكانت تشن الهجوم على أراضي الأندلس في الفترات التي تشعر فيها بقوتها، وضعف المسلمين. من ذلك مثلاً ما حدث في عهد فرويلا الأول الذي استغل انشغال الأمير عبد الرحمن الأول بالقضاء على تمرد العلاء بن مغيث، فأغار على أراضي الدولة العربية الإسلامية، وعبر نهر دويرة، وغزا لُك وشلمنقة، وشقوبية، وآبلة وسمورة وغيرها (٢٣). وكان لا بد لعبد الرحمن الأول أن يتخذ إجراءات كفيلة برد الخطر الإسباني، فجرد، برغم انشغاله بالفتن الداخلية، حملة تأديبية يقودها مولاه بدر إلى الشمال، وبشكل خاص إلى منطقتي ألبة والقلاع، وهي الأراضي الواقعة بين بلاد الباسك وجبال كانتبرية على ضفاف نهر الإبرة شرقي مملكة جليقية. وقد حققت هذه الحملة نجاحاً ملحوظاً، وأرغمت سكان هذه المناطق على دفع الجزية للدولة العربية الإسلامية (٢٤).

والظاهر أن حملة بدر هذه كانت ذات أثر كبير على طبيعة العلاقات التي سادت فيما بعد بين عبد الرحمن الأول وإمارة جليقية. فلقد أوقفت النشاط التوسعي لهذه الإمارة على حساب الأندلس، يضاف إلى ذلك فقد خيم السلام على المنطقة في عهد الملوك الذين عاصروا عبد الرحمن، والذين كانوا بمثابة أتباع للحكم الأموي ويدفعون الجزية إلى قرطبة. وقد بلغ نفوذ العرب حداً كبيراً في التدخل بشؤون هذه الإمارة، حتى أنهم كانوا يتدخلون في الخلافات التي كانت تنشب بين الأمراء الإسبان للوصول إلى العرش، فيساعدون الموالين منهم على التغلب على مناوئيهم. ويدين أحد هؤلاء الأمراء، وهو مورقاط (مورجاتو Mauregato) ، للعرب بوصوله إلى الحكم. ومما يذكر أن هذا الحاكم الأخير كان من أصل عربي من جهة الأم، وقد بالغ في التقرب إلى المسلمين والتودد إليهم (٢٥).


(٢٣) ابن الأثير: ٥/ ٥٠٠؛ المقري: ١/ ٣٣٠.
(٢٤) ابن عذاري: ٢/ ٥٤؛ وانظر: عنان، المرجع السابق: ١/ ٢١٦.
(٢٥) انظر: المرجع السابق: ١/ ٢١٩؛ أحمد بدر، دراسات في تاريخ الأندلس وحضارتها، ص ١٠٠؛ =

<<  <   >  >>