للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخلط بين وقائع استقبال السفارتين لا يمكن الإغضاء عنه؛ إلا أنها لا تخلو من فائدة، فهي تصور تصويراً دقيقاً فخامة بلاط الدولة العربية في الأندلس ومكانة هذه الدولة بين دول العالم آنذاك.

ومن نتائج هذه السفارات دخول بعض المؤلفات المهمة إلى الأندلس ككتاب الحشائش لديسقوريدس وكتاب هروشيش في التأريخ (١٠)، ونقل أكثر من مائة سارية وتحف غريبة استخدمت في بناء وتزيين مدينة الزهراء كما سيأتي بيانه.

٢ - الدول الرومانية المقدسة:

يشير ابن عذاري (١١) وابن خلدون (١٢) باختصار شديد إلى سفارة من قبل إمبراطور الألمان أتو الكبير، وصلت الأندلس سنة ٣٤٢ هـ (١٣)، وكانت برئاسة الراهب جان دي جورز (نسبة إلى دير جورز القريب من مدينة متز) وهو أحد علماء عصره في البحث والمناظرة (١٤)، وقد استقبلت هذه السفارة بما يليق أن يقابل به السفراء، ونزل أعضاؤها في أحد القصور الرسمية، وطبيعي أن يحاط بلاط الخليفة علماً بأهداف ومهمة السفارة قبل الإذن لها بالمثول أمامه. ولكن ممثل الإمبراطور كما يبدو لم يكن على قدر من السلوك الدبلوماسي، ففي حين وصلت إلى مسامع البلاط أن السفير يحمل رسالة تتضمن انتقاداً لنظام الحكم العربي في الأندلس، وعبارات تمس مقدسات العقيدة، أصر السفير على مواجهة الخليفة، وطرح محتويات الرسالة أمامه وقد رفض الخليفة الناصر استقباله حتى يستوثق من أن الرسالة التي يحملها السفير تمثل وجهة نظر الإمبراطور أوتو الكبير أو أن حاملها الوافد " اهتبلها للإفضاء عن آرائه العدوانية في مجلس الخليفة " (١٥) وتم الاتفاق على إرسال سفارة عربية إلى أوتو الكبير تطلب منه تغيير سفارته أو تغيير الرسالة التي تحملها، فقام بهذه المهمة أحد المستعربين الذين يجيدون اللغة اللاتينية إجادة تامة ويدعى رثموندو أو ربيع بن زيد (١٦)، وقد استقبلت هذه البعثة من الإمبراطور


(١٠) أحمد بدر: ١٣٩.
(١١) البيان المغرب: ٢/ ٢١٨.
(١٢) تاريخ ابن خلدون: ٤/ ١٤٣.
(١٣) انفرد ابن عذاري بذكر تاريخ وصول هذه السفارة، وحددها عنان في كتابه، دول الإسلام: ٢/ ٤٥٦ بسنة ٣٤٤هـ.
(١٤) عنان: دول الإسلام: ٢/ ٤٥٧.
(١٥) بيضون: ٨١١.
(١٦) عادة المستعربين اتخاذ الأسماء العربية إضافة إلى أسمائهم الأعجمية.

<<  <   >  >>