للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بتحصينها ثم انتقل إليها بخاصته ورجاله سنة ٣٨٦ هـ/٩٩٦ م (٧٩).

غير أن التطورات المفاجئة بين المنصور ابن أبي عامر وابن عطية قلبت العلاقات الودية بين الطرفين ودفعت زعيم زناتة إلى التمرد وإعلان العصيان (٨٠) ولا نكاد نلمح في سطور الروايات التاريخية التي دونت أخبار هذا التمرد أي تسويغ مقبول لخروج الزعيم الزناتي على السلطة المركزية باستثناء ما قيل من أن أسباباً اقتصادية كانت وراء نفوره، أو ما قيل عن استخفافه بلقب الوزارة الذي منحته إياه حكومة قرطبة. فقد وجد حسب تعبير الرواية تقليلاً من وزنه السياسي بوصفه أميراً ينتمي إلى قبيلة كبيرة، غير أن هذه المصادمة إن صح وقوعها بين المنصور وزيري، لا تصلح لأن تكون مقدمة ثورة شاملة تستقطب البربر، لو لم تكن لها أبعاد سياسية ورواسب تاريخية معروفة، حدت به إلى التمرد ضد الوصاية العامرية، فقد شعر زيري بقوته من خلال القاعدة الشعبية التي التفت حوله من سواد قبائل البربر، حيث استهواها دائماً الاستقلال بشؤونها السياسية والإقتصادية، وكان زيري بشخصيته الذكية قد احتل مكانة عالية لدى جماعته من البربر فتحول بنظرهم إلى قائد شعبي، تتجسد فيه آمالهم البعيدة في السيادة والاستقلال (٨١) وبدأ زيري بن عطية بتنفيذ ما عزم عليه فاكتفى بذكر اسم الخليفة هشام في خطبة يوم الجمعة فقط، وأسقط اسم المنصور، وطرد عماله من المغرب وتمكنت قواته من دحر قوات القائد واضح في وادي زارات جنوبي طنجة، ولكن انتصاراته لم تسفر عن نتائج فعالة فقد أعادت القوات الأندلسية الكرة على قواته في سنة ٣٨٧ هـ وتمكنت من الانتصار عليها بوادٍ من أحواز طنجة وطاردت فلولها حتى مدينة مكناسة، ففر إلى العمق الصحراوي مع بعض فرقه المنهزمة، وتمكنت قوات الأندلس من تطهير مدينة فاس سنة ٣٨٨ هـ وإعادة المناطق التي اختلت طاعتها بخروج ابن عطية (٨٢).

وفي سنة ٣٩١ هـ عاد زيري بن عطية إلى ولائه وكاتب المنصور بهذا الأمر فعفى عنه وحسنت سيرته حتى وافاه الأجل في السنة نفسها فخلفه على حكم المغرب ولده المعز الذي أعلن سياسة الولاء للمنصور ابن أبي عامر ثم لابنه عبد الملك المظفر من بعده (٨٣).


(٧٩) الناصري: ١/ ٢١٣.
(٨٠) عنان: دول الإسلام ٢/ ٥٥٧.
(٨١) بيضون: ٣٤٨، وينظر: العبادي ٢٣٨.
(٨٢) ابن عذاري: ١/ ٢٥٢.
(٨٣) ابن عذاري: ١/ ٢٥٣.

<<  <   >  >>