للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ - العلاقة مع الفقهاء:

خطب المنصور ابن أبي عامر ود طبقة الفقهاء، وحاول كسب رضاهم ربما كتعويض عن اغتصابه السلطة، أو نتيجة لنشأته الدينية ودراسته على أشهر فقهاء العصر ومع ذلك فقد ظلت مسألة استبداده بالأمور وتمجيد شخصيته محوراً للخلاف بينه وبينهم، غير أن الخلاف لم يكن ليصل إلى حد القطيعة والصدام كما حدث للحكم بن هشام الربضي مع فقهاء عصره، لأن كل طرف من هذه الأطراف لم يكن يريد أن يتحدى الآخر بالشكل الذي يؤدي إلى هذه النتائج، والمنصور ابن أبي عامر من جانبه كان حريصاً على أن يضيف إلى أعماله نوعاً من الشرعية المدعمة بفتوى الفقهاء، أما الفقهاء فعلى الرغم من أنهم لم يسكتوا على أعمال المنصور إلا أنهم سايروه في البعض منها على قناعتهم بعدم انسجام تلك الأعمال والأفعال مع مذهب الإمام مالك مذهب أهل الأندلس (٨٧).

وعلى الرغم من كل هذه العلاقة التي تبدو ودية في أكثر من جانب إلا أن عصره لم يخل من فقهاء حاولوا التصدي لمشاريعه السلطوية ومنهم على سبيل المثال قاضي قضاة الأندلس محمد بن إسحاق بن منذر بن أبي عكرمة المتوفى سنة ٣٦٧ هـ (٨٨) المتولي بعد وفاة البلوطي.

وقامت حركة أخرى كان على رأسها عبد الملك بن منذر بن سعيد البلوطي كانت تدعو إلى تولية عبد الرحمن بن عبيد الله بن الناصر ابن عم هشام المؤيد واغتيال هشام المؤيد والحاجب المنصور ابن أبي عامر، وقد اشترك في هذه الحركة عدد كبير من كبار الموظفين في الدولة ونخبة لا بأس بها من مشهوري الفقهاء، ولكن الأمر انتهى بكشف خيوط الحركة قبل التنفيذ وتم القبض على عبد الملك بن منذر البلوطي فحكم عليه بالإعدام على الرغم من معارضة الفقهاء ولكن العامري نفذ الإعدام فيه سنة ٣٦٨ هـ (٨٩) واكتفى بسجن الآخرين. ويظهر أن إعدام ابن منذر البلوطي وسجن الباقين ليس مرده لزعامة البلوطي للفتنة فقط، بل لكونه معتزلياً، الأمر الذي يجعل إعدامه لا يثير ردود فعل سلبية بقدر ما له من نتائج هي في صالح المنصور ابن أبي عامر وذلك لكره أهل


(٨٧) أحمد بدر: ٣٥؛ بيضون: ٣٣٨.
(٨٨) ابن الفرضي: تاريخ علماء الأندلس: ٢/ ٧٦؛ النباهي؛ ٧٥. وينظر: أحمد بدر: ٣٦.
(٨٩) قال ابن الفرضي في تاريخ علماء الأندلس: ١/ ٢٧٥ " بالذي عزيَ إليه من النكث فصلب على باب سدة السلطان يوم الخميس للنصف من جمادى الآخرة سنة ٣٦٨ هـ ".

<<  <   >  >>