للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مساعدة العرب، وكذلك في دور اليهود، كما سنرى فيما بعد (١١).

وإذا ما سلمنا بأن دور أسرة غيطشة وأنصارها قد اقتصر على الوقوف إلى جانب العرب بعد عبورهم فعلاً إلى إسبانيا، فإن دور الكونت جوليان يبقى أمراً لا يمكن إنكاره بسبب إجماع الروايات، على وجوده وموقفه من الفتح. ولكن ما هي مصلحة جوليان من فتح العرب لإسبانيا، لا سيما أننا استبعدنا دافع الانتقام الشخصي المتمثل برواية ابنته في بلاط طليطلة؛ لقد سبقت الاشارة إلى العلاقات الطيبة بين جوليان والملك غيطشة، وإلى المساعدات التي كان يتلقاها الأول من إسبانيا. ولكن بوفاة غيطشة ومجيء لذريق، توقفت هذه المساعدات نتيجة لانشغال الأخير بمشاكله الداخلية العصيبة. وقد استاء جوليان من هذا الموقف، وشعر بأهمية التعاون مع العرب وبشكل خاص في العبور إلى إسبانيا، لأنه أدرك قوة العرب ومستقبل سيادتهم على المنطقة، هذا بالإضافة إلى أنه كان من أصدقاء الملك غيطشة، وبالتالي فهو لم يرضَ عن استيلاء لذريق على عرش إسبانيا بدلاً من ورثة غيطشة. ولهذا فقد بدأ اتصاله بطارق بن زياد لأنه كان قريباً منه في طنجة، أو ربما يكون طارق نفسه هو الذي اتصل به واطلع على رأيه في مسألة العبور إلى إسبانيا، لا سيما أننا نعلم أن دوافع العرب والمسلمين، والتي ذكرناها في أول الفصل، كانت قوية للفتح والتحرير، فلم يكونوا بحاجة لمن يحثهم على هذا الواجب المقدس، بل هم الذين اتخذوا بادرة الفتح بقيادة قائدهم الشجاع طارق بن زياد.

وتذكر بعض المصادر أن موسى بن نصير هو الذي اتخذ قرار الفتح، وهم يشيرون أيضاً إلى مراسلات تمت بهذا الشأن مع الخليفة في دمشق (١٢). ولكن بُعد المسافات بين طنجة والقيروان ودمشق تدعو المرء إلى التحفظ في قبول هذه الرواية، وبخاصة أن العديد من المؤرخين الآخرين يشيرون صراحة إلى أن عبور طارق إلى إسبانيا كان دون معرفة موسى بن نصير (١٣). وبطبيعة الحال، فإن هذه المسألة ليست جوهرية، لأن هدف


(١١) عن آراء بعض الكتّاب المحدثين بشأن هذه الروايات انظر:
مؤنس، فجر الأندلس، ص ٥٥ - ٥٧، ٦٣ - ٦٤؛ العبادي، المرجع السابق، ص ٥٥، السيد عبد العزيز سالم، تاريخ المسلمين وآثارهم في الأندلس، بيروت، ١٩٦٢، ص ٦٦ - ٦٧.
(١٢) ابن القوطية، ص ٨؛ أخبار مجموعة، ص ٥ - ٦؛ فتح الأندلس، ص ٢، ٤ - ٥؛ ابن الكردبوس، الاكتفاء في أخبار الخلفاء، تحقيق: أحمد مختار العبادي، مجلة معهد الدراسات الإسلامية بمدريد، العدد ١٣، ١٩٦٥ - ٦٦، ص ٤٥ - ٤٦؛ ابن عذاري، ج ٢، ص ٥ - ٦؛ cf.
Levi-Provençal, "al-Andulus", Encyclopedia of Islam, New edition.
(١٣) رواية الواقدي في: البلاذري، فتوح البلدان، نشر: ذي غوية، ليدن، ١٨٦٦، ص ٢٣٠ و ٢٣١؛ =

<<  <   >  >>