للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للنيل من هذه الدويلة سواء باقتطاع أقاليمها أو ابتزاز أموالها، وهذه الظروف نفسها كانت العامل في التجاء المقتدر إلى محالفة بعض ملوك هذه الممالك وبذل الأموال الطائلة لهم ضد البعض الآخر (١٠٩).

وعلى الرغم من ذلك فقد كان المقتدر أحد كبار حكام الطوائف، تميز بمقدرة سياسية وعسكرية عالية على أن مشاريعه وأعماله كانت تنطوي أحياناً على بعض الصفات السيئة، وتمتعت سرقسطة في وقته بمكانة مميزة ومرموقة فقد كان بلاطه يضم كبار علماء العصر ومشاهيرهم في العلوم والآداب، وكان المقتدر نفسه عالماً من علماء عصره شغوفاً بدراسة الفلسفة والفلك والرياضيات وكان قصره المسمى بقصر الجعفرية نسبة إلى كنيته (أبو جعفر) من أكبر وأضخم قصور ذلك العصر وقد اشتهر في تاريخ الفن الإسلامي باسم دار السرور وكان أروع ما فيه بهوه الرائع الذي زينت جدرانه بالنقوش والتحف الذهبية البديعة، فيسمى لذلك بالبهو الذهبي أو مجلس الذهب. ولما سقطت سرقسطة في يد الإسبان شوهت معالم هذا القصر البديع وأدخلت فيه تعديلات وتغييرات عديدة قضت على محاسنه وزخارفه العربية (١١٠).

مات المقتدر سنة ٤٧٤ هـ/١٠٨١ م وقد اقترف نفس الخطأ الذي اقترفه والده من قبل، فقد قسم دويلة سرقسطة بين ولديه فخص ولده الأكبر يوسف المؤتمن بسرقسطة وأعمالها (١١١)، وولده المنذر بلاردة وطرطوشة ودانية، وعادت الحرب الأهلية بين الطرفين واستعان كل طرف على الآخر بمرتزقة الممالك الإسبانية الشمالية، فتحالف المؤتمن مع السيد الكمبيادور صديق والده القديم واستعان المنذر بملك أرجوان وأمير برشلونة، ودارت بين الطرفين سلسلة من الصدامات خربت على أثرها العديد من المدن والحصون ولم تجن الأطراف المتنازعة غير المزيد من الخسائر في الرجال والأموال.

ولم يحكم المؤتمن أكثر من أربع سنوات فتوفى سنة ٤٧٨ هـ/١٠٨٥ م فخلفه في حكم سرقسطة وأعمالها ولده: أحمد المستعين، والذي لم يضف جديداً على سياسة والده فاستمر في التحالف مع السيد واشترك في الصراع حول السيطرة على بلنسية " وقد سبق الحديث عن ذلك " وقد دخل المستعين بعد فشله من احتلال بلنسية في صراع وحروب شديدة مع مملكة أرجون التي باتت تهدد دويلته من الشمال، وساقت تلك


(١٠٩) ينظر، عنان، دول الطوائف: ٢٨٠.
(١١٠) عنان، المصدر السابق: ٢٨٣.
(١١١) ابن خلدون: ٤/ ١٦٣.

<<  <   >  >>