للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوادي الكبير. وقد وجد بأن حاكم المدينة القوطي ما يزال هناك ترافقه حامية مؤلفة من أربعمائة إلى خمسمئة ؤجل، أما بقية السكان فقد غادروا إلى طليطلة. ولكن مغيثاً أفلح في اقتحام المدينة بسبب وجود ثغرة في أسوارها، فانسحب حاكمها مع حاميته، وتحصنوا في كنيسة تقع خارج الأسوار تدعى شنت أجلح San Acisclo، حيث ضُرب عليهم الحصار هناك لمدة ثلاثة أشهر. وعندما أيقن هؤلاء بعدم قدرتهم على الاستمرار في المقاومة، حاول حاكمهم الهروب إلى طليطلة، لكنه وقع في أسر مغيث، وأبيدت الحامية بأجمعها. ثم وضع مغيث ترتيبات الدفاع عن المدينة وإدارتها، وتذكر المصادر أنه جمع كل يهود المدينة، وعهد إليهم بالاشتراك مع المسلمين بمهمة الدفاع عنها (٤٣).

وتشير مصادرنا العربية إلى التعاون بين اليهود والعرب أثناء فتح الأندلس، وأنهم، أي العرب، كرروا ما فعلوه في قرطبة مع بقية المدن الاسبانية الأخرى، فحين يتم فتح أية مدينة، كانوا يعمدون إلى ضم سكانها اليهود إلى جملة المدافعين عنها (٤٤). بطبيعة الحال فإن التضييق الشديد الذي لاقاه اليهود على يد ملوك القوط الغربيين، جعلهم يميلون إلى العرب والمسلمين، الذين وثقوا بهم، وعاملوهم معاملة طيبة جداً، وخلصوهم من العذاب الذي كانوا فيه. إن موقف العرب النبيل، والتسامح الذي مارسوه مع اليهود في إسبانيا، بل في معظم المناطق التي شملتها الدولة العربية الإسلامية في العصور الوسطى، قوبل مع الأسف بنكران وجحود من قبل الصهيونية العالمية التي شردت أبناء العرب واغتصبت أرضهم في فلسطين.

ومع هذا فعلى المرء أن يتوقع بأن قصة التعاون الذي ساهم به اليهود في الفتح قد بولغ فيها كثيراً، لا سيما من قبل بعض المؤرخين الاسبان (٤٥). والغرض من هذا واضح، وهو محاولة التلميح إلى أن العرب لم يتمكنوا من فتح إسبانيا لولا مساعدة اليهود. والتآمر معهم على دولة القوط. وهذا بطبيعة الحال غير صحيح كما أسلفنا في


(٤٣) أخبار مجموعة ص ١٣ - ١٤؛ فتح الأندلس، ص ٨؛ ابن عذاري، ج ٢، ص ٩ - ١٠. وقارن: سالم، المرجع السابق، ص ٨٤ - ٨٩.
(٤٤) ابن الخطيب، الإحاطة في أخبار غرناطة، تحقيق: محمد عبد الله عنان، القاهرة، ١٩٧٣، ج ١، ص ١٠١ (برواية ابن القوطية)؛ وانظر: أخبار مجموعة، ص ١٢، ١٤، ١٦؛ ابن عذاري، ج ٢، ص ١٢.
(٤٥) Cf. R. Amador de los Rios, Historia social, Politica Y religion de los judios de
Espana Y Portugal, Madrid, ١٨٧٥-٧٦, vol. I p. ١٠٧; A Ballesteros Y Beretta, Historia
de Espana Y su influencia in la historia Universal, vol. II, p. ١٠٧.

<<  <   >  >>