للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ج - حملة موسى بن نصير:

لقد كان رد الفعل لنجاح حملة طارق عظيماً في شمال أفريقيا، فبعد سماعهم بالنصر الذي أحرزه طارق على لذريق في موقعة كورة شذونة، اتجه البربر إلى إسبانيا من كل صوب، وعبروا المضيق بكل ما وقعت عليه أيديهم من قوارب ومراكب. وبعد وصولهم مباشرة، بدأوا بالاستقرار في المناطق السهلة من البلاد، لا سيما تلك التي هجرها السكان المحليون الذين هربوا إلى القلاع والحصون المنيعة (٥٣). وعندما وصلت هذه الأنباء، وأحداث النجاح الباهر الذي حققه طارق في إسبانيا، إلى اسماع موسى بن نصير في القيروان، قرر أن يزحف بجيش عربي كبير إلى شبه الجزيرة ليتم عمل طارق وينهي المقاومة القوطية المتبقية. وتشير إحدى الروايات إلى أن طارقاً أسرع بعد انتصاره على قوات القوط الغربيين بإشعار موسى بن نصير بالنصر الذي أحرزه، وسأله القدوم للنجدة بإمدادات جديدة (٥٤). أما الروايات التي تصور عبور موسى على أنه نوع من الحسد لطارق خشية أن يحصل وحده على شرف الفتح وغنائمه، فلا نصيب لها من الصحة، لأن طارقاً كان أحد قادة موسى وما يفتتحه فهو باسم أميره ولمصلحة الدولة العربية الإسلامية التي ينتمي إليها الاثنان. يضاف إلى ذلك أن موسى بن نصير، كان أعظم من أن يحسد أحد رجاله، وهو القائد العظيم الذي حرر الشمال الأفريقي بأسره، وجاهد في سبيل نشر مبادئ الحق والعدل التي حملها العرب إلى الأمم المختلفة. إن حملة موسى بن نصير لا يمكن أن تفسر إلا على ضوء المصلحة العامة التي اقتضت تثبيت الفتح وتعزيزه، ونجدة الجنود المسلمين الذين اتخذوا زمام المبادرة بالعبور إلى إسبانيا في الحملة الأولى. ولما كان موسى بعيداً في القيروان، فإن تصوره عن ظروف عبور طارق ووضعه في الأندلس لم يكن واضحاً تماماً، ولهذا، فقد كتب إليه يلومه على مبادرته بالهجوم دون تلقيه الأوامر منه، وأرسل إليه تعليمات بعدم التحرك من مواقعه التي هو فيها حتى يلحق به (٥٥). ولكن طارقاً لم يستطع تنفيذ هذا الأمر بسبب


(٥٣) المقري (برواية الرازي) ج ١، ص ٢٥٩.
(٥٤) الإمامة والسياسة، منسوب لابن قتيبة، نشر ملحقاً لكتاب ابن القوطية، ص ١٢٤؛ قارن: مؤنس، فجر الأندلس، ص ٨٩.
(٥٥) ابن عبد الحكم، ص ٢٠٧؛ البلاذري، فتوح البلدان (برواية الواقدي)، ص ٢٣٠ - ٢٣١؛ الرقيق،
ص ٧٦؛ المراكشي، المعجب في تلخيص أخبار المغرب، أمستردام، ١٩٦٨، ص ٧ - ٨؛ ابن عذاري، ج ٢، ص ١٣.

<<  <   >  >>