للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ودخلوا معه في محاورات علمية انحدرت أحياناً إلى درجة المكائد، إلا أن هذه المحاورات وجهود صاعد اللغوية أدت إلى تنشيط الحركة اللغوية في فترة الحجابة.

وكان كتاب الفصوص الذي ألفه صاعد ذا أثر كبير في تغذية الدراسات اللغوية والأدبية في الأندلس (١٢٥).

وسار الأدب في فترة الحجابة بقوة الدفع التي كانت في فترة الخلافة، فظل على ما كان عليه من أنواع. بل إن بعض الظواهر الأدبية الجيدة التي أينعت في فترة الخلافة، قد اختفت في فترة الحجابة، وكان ذلك بسبب تأثر الأدب بالظروف السياسية الاستبدادية والأوضاع الثقافية المقيدة. وأهم أنواع الشعر التي نالت حظاً كبيراً في هذه الفترة، هو شعر المجون الذي يعكس حالة المجتمع المتردية، وشعر المديح الذي كان بمثابة أبواق دعاية للحكم الاستبدادي، وشعر الاستعطاف، وشعر النقد السياسي (١٢٦). ومن أشهر شعراء الفترة ابن دراج القسطلي، الذي غلب طابع المدح على أغلب شعره (١٢٧).

أما النثر، فقد توقف النوع التأليفي، واستمر النثر الخالص، ولكن أهم ما يلاحظ على أسلوب النثر في هذه الفترة، ظهور أثر طريقة ابن العميد (وزير عضد الدولة البويهي توفي عام ٣٦٠ هـ) (١٢٨)، تلك الطريقة التي تميل إلى الإطناب، وتعتمد على السجع والجناس، مع ذكر بعض الأمثال أو الإشارات التاريخية، مع تدعيم النثر بالشعر. وليس من شك في أن حياة الترف ومظاهر الفخامة في فترة الحجابة، كانت من أسباب الاستجابة إلى هذه الطريقة من أسلوب النثر خلال هذه الفترة. وكذلك آثار ابن العميد ومن نحوا طريقته كالصاحب بن عباد الفارسي (من وزراء البويهيين أيضاً توفي عام ٣٨٥ هـ ولقب بالصاحب لأنه كان يصحب ابن العميد، وكان إسماعيل بن عباد أديباً بارعاً في فن الترسل وله رسائل منشورة) (١٢٩)، قد وصلت إلى الأندلس قبيل فترة


(١٢٥) المقري، نفح، ج ٢، ص ٧٧ - هيكل، المرجع السابق، ص ٢٧١ - ٢٧٢ - سالم، قرطبة، ج ٢، ص ١٦٤.
(١٢٦) هيكل، المرجع السابق، ص ٢٧٣ وما بعدها.
(١٢٧) ينظر، ابن دحية، المطرب، ص ١٥٦ - ابن حزم، جمهرة أنساب العرب، ص ٤٦٦ - ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج ٤، ص ٢٧٢ - ديوان ابن دراج، ص ٣٧ وما بعدها - الحميدي، جذوة رقم ١٨٦ - ابن بشكوال، الصلة، رقم ٧٥ - الضبي، بغية، رقم ٣٤٢.
(١٢٨) العبادي، ني التاريخ العباسي، ص ١٧١ - ١٧٢.
(١٢٩) نشرت رسائل الصاحب بن عباد في القاهرة عام ١٩٤٧ برعاية شوقي ضيف وعبد الوهاب عزام، ينظر، العبادي، في التاريخ العباسي، ص ١٧٢.

<<  <   >  >>