للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عصر الطوائف، لأن دولة المرابطين اعتمدت الدين في كثير من أمورها، وأنها وجهت نشاطها إلى مجاهدة الإسبان، وكذلك مرت الأندلس بفترة من الجد وتركت الحياة التي اعتادت عليها في أيام الطوائف، مما أدى إلى تغير نوعي في مستوى الحياة الأندلسية، وبخاصة الأدبية منها. فلم نر ذلك التحرر والانطلاق في نظم الشعر الذي يمثل التغزل بالطبيعة وجمالها، ووصف جمال المرأة، وبعض مظاهر الحياة الإجتماعية الماجنة (١٩٤).

وعلى هذا الأساس وجهت اتهامات إلى المرابطين بعدم الذوق الأدبي، وكسوف شمس الأدب في عهدهم، بل غولي بالأمر إلى حد اتهامهم بعدم معرفة اللسان العربي (١٩٥). إن مثل هذا الاتهام يمثل بعض وجوه العصبية الأندلسية لتبيان حالة أهل المغرب بأنهم أقل حضارة وأقل نصيباً في تقدير الشعر من أهل الأندلس، فالأمر لا يعدو أكثر من نقمة الأندلسيين على المرابطين، بأكثر مما يدل على تغير من حال الأدباء والشعراء. فالشعراء الذين كانوا في ظل أمراء الطوائف أكثرهم أدرك عصر المرابطين وعاش الكثير من أحداثه، وبذلك يمكن نفي مثل هذا الاتهام، والجزم بأن الشعر الأندلسي لم يمت في عصر المرابطين، وأن كل ما حدث: أن الشعر كيَّف نفسه بما يلائم الظروف الجديدة التي أحاطت به (١٩٦).

لقد كان قدوم المرابطين إلى الأندلس بداية عهد جديد يؤذن بتواري العاهل الأندلسي وقيام عاهل مرابطي لكل منهما ذوقه الأدبي، وموقفه من الشعر والشعراء، فلا ينكر أن طبقة الشعراء أصبحت في الظل على عهد المرابطين وتقدمت عليها طبقة الفقهاء (١٩٧). فنرى نتيجة ذلك أن بعض شعراء الأندلس أمثال ابن خفاجة (توفي عام ٥٣٣ هـ) وابن أخته يحيى بن عطية بن الزقاق (توفي عام ٥٢٩ هـ) لم يتأثروا كثيراً بقدوم المرابطين، كما كان حالهم في عصر الطوائف (١٩٨)، وكذلك دفع الأمر بعض أدباء الأندلس إلى جمع تراثهم الأدبي والحفاظ عليه من الضياع فصنف ابن بسام (توفي عام ٥٤٢ هـ) كتابه المشهور (الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة) وصنف الفتح بن خاقان (توفي عام ٥٣٥ هـ) كتابي قلائد العقيان ومطمح الأنفس. وقد أشار ابن بسام -بصورة خاصة-


(١٩٤) حركات، المغرب عبر التاريخ، ص ٣٩٤ - الطاهر أحمد مكي، دراسات عن ابن حزم، ص ٤٨ وما بعدها.
(١٩٥) محمد عبد المنعم خفاجة، قصة الأدب في الأندلس، ج ٢، ص ٣٣٨.
(١٩٦) إحسان عباس، تاريخ الأدب الأندلسي، ص ٧٩.
(١٩٧) سعد إسماعيل شلبي، دراسات أدبية في الشعر الأندلسي، ص ١٥٣.
(١٩٨) سعد شلبي، دراسات أدبية، ص ١٥٤.

<<  <   >  >>