للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى أن الكساد قد أصاب الشعر في الأندلس بعد انقراض عصر ملوك الطوائف (١٩٩). كما نلاحظ الكثير من شعراء الأندلس في هذا العهد تركوا البلاد وهاجروا إلى الخارج واستقر قسم منهم في الجزائر الشرقية (البليار) وقسم في تونس والجزائر، بعيداً عن سلطان المرابطين أمثال الشاعر ابن اللبانة، والشاعر ابن حمديس الصقلي (٢٠٠).

وعندما وجد فريق من الشعراء نفسه مضطراً على البقاء في الأندلس، اضطر إلى المداهنة، وإلى توجيه أشعاره إلى الفقهاء والكتاب الأندلسيين الذين تولوا مناصب الوزارة والكتابة للمرابطين. ونظراً لأن هؤلاء لم يكونوا في ثراء ملوك الطوائف أو هيبتهم الأدبية، فقد هبط الشعر الرسمي عن مستواه، وصار سلساً إلى درجة تقرب من الضعف، كما كثر فيه الاستعطاف، والترحيب بالسادة الجدد، والتندر بعيوب ملوك الطوائف (٢٠١).

وإذا كان مقدم بن معافى القبري (توفي عام ٢٩٩ هـ) قد ابتكر الموشحات الأندلسية، فإنها تطورت في عصر الطوائف على يد الشاعر أبي بكر عبادة بن ماء السماء (توفي عام ٤٢٢ هـ) (٢٠٢)، ثم تبعه الشاعر ابن اللبانة والأعمى التطيلي وغيرهما، في عصر المرابطين مما يدل على غلبة ذوق العوام، وإلى التهاون في استعمال اللغة العربية (٢٠٣)، فمال هؤلاء الشعراء الفحول إلى نظم هذه الموشحات لأنهم كانوا يعيشون في مجتمع يميل إلى كل ما هو شعبي (٢٠٤).

وقد أدى هذا الأمر إلى ظهور شعر الزجل الذي اشتهر به محمد بن عبد الله بن قزمان (توفي عام ٥٥٤ هـ) (٢٠٥)، وإذا رأينا الموشح يعتمد نظم القوافي، فالزجل يمثل مظهراً من مظاهر ضعف اللغة العربية وفقدان سلطانها الكامل على الشعراء (٢٠٦).


(١٩٩) السامرائي، علاقات، ص ٤٢٠.
(٢٠٠) سعد شلبي، دراسات أدبية، ص ١٥٥ - ١٥٦.
(٢٠١) راجع، ديوان ابن خفاجة الأندلسي، ص ١١٦، ص ١٩٨.
(٢٠٢) محمد مجيد السعيد، الشعر في ظل بني عباد، ص ٢٦٧ - ٢٦٨.
(٢٠٣) محمد مجيد السعيد، الشعر في عهد المرابطين والموحدين، ص ٣٩٥ - السامرائي، علاقات، ص ٤٢١.
(٢٠٤) السامرائي، دراسات، ص ٤٠٥.
(٢٠٥) ابن سعيد، المغرب، ج ١، ص ١٠٠ - سالم، قرطبة، ج ٢، ص ١٠٠.
(٢٠٦) نماذج من موشحة ابن اللبانة:
للدموع إذ تقطر. في الخد أسطر. تحفظ الهوى ظاهر. منها النواظر وأشهر نموذج للموشحات، موشحة ابن الخطيب: =

<<  <   >  >>