للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في تلك الفترة الصعبة من حياة الأندلس، ذروة قوته وروعته.

ولما كانت الرغبة لدى الخلفاء الموحدين في سماع المديح، فظهر في الشعر الأندلسي هذا الفن، فلما عبر عبد المؤمن بن علي إلى الأندلس استدعى الشعراء، وسمع من كثير منهم، وكان ممن أنشده من الأندلسيين الأصم المرواني وابن سيِّد (اللص) والرصافي البلنسي وغيرهم، وكانت له ملاحظات نقدية على قصائدهم تدل على تذوقه للشعر ومعرفته الواسعة به (٢٤٩). والخليفة الموحدي المنصور لما انتصر على الإسبان في معركة الارك عام ٥٩١ هـ اجتمع لديه عدد كبير من الشعراء، فلم يكن الوقت يسمح لإلقاء كل شاعر قصيدته، فألقى كل شاعر بيتين أو ثلاثة من قصيدته (٢٥٠). ولكن بعد خلافة الناصر (٦١٠ هـ)، خبا هذا النوع من الشعر لاضطراب أحوال الدولة وعدم تذوق ولاة الأمر شعر المديح (٢٥١). وفي هذا العصر عالج شعراء كثيرون فن الغزل، فمنه الغزل العفيف، كقصيدة الفيلسوف والشاعر ابن طفيل الذي زار محبوبته ليلاً بعد نوم الناس، وعلى الرغم من الشوق والتلهف لم ينسيا العفة والخلق الشريف (٢٥٢).

وشاركه في هذا الاتجاه الشاعر أبو الروح عيسى بن خليل (توفي عام ٦٢٩ هـ) (٢٥٣).

ولكن غزل ابن سعيد الأندلسي وغيره، يبتعد عن التحشم والوقار (٢٥٤). وظهر في هذا العصر في الأندلس شواعر غزلات أمثال حفصة الركونية التي توفيت عام ٥٨٦ هـ (٢٥٥)، ويمثل شعرها قصة غرام جريء في مجتمع إسلامي يحرص على سلوك معين وتقاليد وأعراف (٢٥٦).

وشعر الشكوى ظهر في هذه الفترة، بسبب وقوع الشاعر في الأسر، أو ينفى من بلده لأي سبب. وممن امتحن بالنفي والتغريب عن وطنه الشاعر أبو الحسن سهل بن محمد بن مالك الغرناطي (توفي عام ٦٣٩ هـ)، فيصور حالته البائسة وهو غريب بعيد عن


(٢٤٩) المراكشي، المعجب، ص ٢٨٢، ص ٢٨٥، ص ٢٨٦.
(٢٥٠) المقري، نفح، ج ٤، ص ١٧٢ - بالنثيا، تاريخ الفكر الأندلسي، ص ١٢٦ - ١٢٧.
(٢٥١) السعيد، الشعر في عهد المرابطين والموحدين، ص ٨٨.
(٢٥٢) ينظر المراكشي، المعجب، ص ٣١٣.
(٢٥٣) المقري، نفح، ج ٢، ص ٦٠٨.
(٢٥٤) السعيد، الشعر في عهد المرابطين والموحدين، ص ١٦٦.
(٢٥٥) ابن الخطيب، الإحاطة، ج ١، ص ٤٩٩، ص ٢٢٧.
(٢٥٦) السعيد، نفس المرجع، ص ١٨٣.

<<  <   >  >>