للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لنفسه فرقة من الحرس الخاص عرفوا باسم الصقالبة، وسموا أيضاً الخرس لعجمة ألسنتهم (٢٣٢).

إن معظم الحملات العسكرية التي خرجت من قرطبة إلى الشمال الإسباني كان لها نظام خاص في التجمع والسير. فكان النفير العام يعلن في جميع أنحاء البلاد للخروج إلى الجهاد، فيتوافد الجنود من مختلف ولايات الأندلس متجهين إلى العاصمة. وفي منطقة في شرقي قرطبة كان يعسكر هذا الحشد الكبير في مكان متسع يسمى (ساحة العرض أو ساحة الحشد أو فحص السرادق) (٢٣٣). وبعد أن يكتمل شمل الجنود يخرج إليهم الأمير الأموي من قصره وسط الهتاف والتكبير فيعسكر مع جنده ويستعرض أسلحتهم المختلفة، ويعين قائد الحملة. وقبل الرحيل كان الأمير أو الخليفة وجنوده يقيمون صلاة عامة في المسجد الجامع بقرطبة، يتبعها الدعاء بالنصر، ثم يخرج الجيش براياته وأعلامه إلى الجهة المرسومة له. وخلال سيره ينضم إليه قواد وأمراء الثغور الأندلسية وعمال المدن بجيوشهم وأتباعهم، ثم يتقدم الجميع لملاقاة العدو (٢٣٤).

ولما كانت المنطقة التي يسير فيها الجيش من مناطق الثغور إلى الممالك الإسبانية، منطقة جبلية وعرة، فكان من العادة أن يتقدم الجيش فرقة استطلاعية لمعرفة أخبار العدو ومعرفة المسالك والممرات الصحيحة بين الجبال الوعرة؛ ويختار لهذه المهمة الرجال الموثوق بأمانتهم وإخلاصهم لتهيئة المسالك الصالحة لسير الجيش وسط هذه الجبال الوعرة - وقد صادف خلال سير العمليات العسكرية إلى الشمال الإسباني، أن الجيش الأندلسي في إحدى حملاته ضل الطريق فأصابه كبير عناء، ومات عدد كبير من أفراده وذلك في عام ١٧٨ هـ (٢٣٥).

ويبدو ومن سير العمليات العسكرية أن المسلمين في الأندلس أثناء لقائهم العدو - وعلى عادة المسلمين في حروب الجهاد. يرددون شعارات إسلامية معينة تحفزهم على الاستبسال في الجهاد. فتذكر بعض الروايات أن مسلمي الأندلس كانوا يرددون شعار (يا محمد) صلى الله عليه وسلم بينما الإسبان يرددون شعار (ياسنتياجو) (٢٣٦)، وكانوا يتصايحون ويولولون


(٢٣٢) ينظر، ابن خلدون، العبر، ج ٤، ص ٢٧٧ - العبادي، الصقالبة في إسبانيا، ص ٧ - ١١.
(٢٣٣) ابن حيان، المقتبس، تح الحجي، ص ٤٣ - سالم، تاريخ المسلمين، ص ٣٠٠.
(٢٣٤) السامرائي، " التعبئة العسكرية "، ص ٤٠.
(٢٣٥) ابن الأثير، الكامل، ج ٦، ص ١٤٤.
(٢٣٦) العبادي، " صور لحياة الحرب والجهاد "، مجلة البينة، العدد ٩، ص ٩٢.

<<  <   >  >>