للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وانتقل إليها بأهله وولده وبقي مجاهد وجيشه في سردينية ما يقارب سنة (٣٢٢). وبعدها بدأ مجاهد العامري بمهاجمة سواحل إيطاليا القريبة، فقررت المدن الإيطالية إحباط هذا المشروع وتحالفت مع البابا لتحقيق الأمر. فسارت الأساطيل الإيطالية والأوروبية فحاصرت الجزيرة. ومما أحرج مركز المسلمين فيها تمرد الجند المرتزقة الإسبان في أسطول مجاهد، مع هبوب العواصف العاتية. فحلت الهزيمة المنكرة بالأسطول الأندلسي عام ٤٠٧ هـ وقتل معظم رجاله، وأسر بعضهم ومنهم ولده علي وأمه (جود) الإسبانية، وأخوه وبعض نسائه (٣٢٣)، ففشل هذا المشروع الكبير، وذكرت بعض الروايات أن مجاهداً العامري هاجم سردينية في عام ٤١٠ هـ وعام ٤٤١ هـ وأنه وقع أسيراً في أيدي الأعداء، وهذه روايات لا سند لها، لأن مجاهد توفي عام (٤٣٦ هـ)، إلا أنها تدل على مقدار الفزع الذي أثاره هذا البحار المغامر في سواحل البحر المتوسط الغربية والشمالية بعد حملة سردينية (٣٢٤). ومن الطريف، أن مجاهد العامري كان يحتفل بجزيرة ميورقة في صيف كل عام بعيد المهرجان (عيد العنصرة) في ٢٤ حزيران، فيقوم الأسطول بعرض ومناورات وألعاب يحضرها مجاهد نفسه وأمراء الجزيرة فيما بعد، وقد امتدح الشاعر أبو بكر الداني المعروف بابن اللبانة هذا الاحتفال (٣٢٥).

في الفترة المبكرة من عهد المرابطين ساهمت الخدمات البحرية التي قدمتها الأندلس وبخاصة إشبيلية إلى يوسف بن تاشفين هي التي مكنته في القضاء على إمارة سقوت البرغواطي صاحب الأسطول القوي. بعد أن تمت سيطرة المرابطين على سبتة وطنجة أفادوا من دور الصناعة القديمة فيها وأصلحوا سفنها (٣٢٦). وقبيل عبور المرابطين إلى الأندلس لنجدتها تنازل المعتمد بن عباد عن ميناء الجزيرة الخضراء إلى يوسف بن تاشفين، وبذلك تحكم المرابطون في مضيق جبل طارق (٣٢٧). وبعد خلع أمراء الطوائف، أصبحت الأندلس ولاية مرابطية، فأفاد المرابطون من إمكانياتها المادية والبشرية والاستراتيجية في تقوية أسطولهم البحري سواء فيما يتعلق بوجود الموانئ والربط ودور الصناعة والمواد الأولية اللازمة لصناعة السفن، أو توظيف قدرات الأسر


(٣٢٢) السامرائي، " الجزائر الشرقية "، ص ١٦٩.
(٣٢٣) جذوة المقتبس، ص ٣٥٣ - عنان، دول الطوائف، ص ١٩٣.
(٣٢٤) ينظر، عنان، دول الطوائف، ص ١٩٤.
(٣٢٥) المراكشي، المعجب، ص ٢١٥ - العبادي، دراسات، ص ٣١٥ - ٣١٦.
(٣٢٦) ينظر، العبادي، دراسات، ص ٢١٨ - ٢٢٠.
(٣٢٧) ابن الخطيب، أعمال، ص ٢٨٢.

<<  <   >  >>