للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفاتحون برغبتهم بالعودة إلى المشرق، فأرضاهم الخليفة الوليد بإقرارهم على ما بأيديهم من الأراضي، معتبراً هذه الأراضي ثغراً، وتوجد دلائل على قيامه بإقطاع أراضي لغيرهم تشجيعاً على الإقامة في الأندلس (٥٧٤).

وفي عهد الوالي السمح بن مالك الخولاني الذي كلف بإكمال التخميس وتمييز أرض العنوة عن أرض الصلح ليصح التخميس. ومن هذا نستدل بأن الخليفة عمر بن عبد العزيز (٩٩ - ١٠١ هـ) كان يرى أن بعض أراضي الأخماس كانت في أيدي الفاتحين، كما أن بعض أراضي الخراج - أي أراضي الصلح، اختلطت بغيرها وربما اشتراها الفاتحون من أصحابها فانقلبت من أرض خراجية تدفع نسبة عالية من الضرائب (مثالثة أو مرابعة) إلى أرض عشرية، وقد منع عمر بن عبد العزيز هذا العمل في المشرق، وربما أراد أن يطبقه في المغرب. وفي كلا الحالتين ما يعرض مصالح النازلين في الأندلس، فأعلنوا عن رغبتهم بالرجوع إلى المشرق، فأقرهم عمر على ما بأيديهم وعلى ما سجله لهم الوليد وموسى وأمر واليه السمح بأن يقر القرى بأيدي أصحابها. وأن يقطع الجند المرافقين له (عددهم ما يقارب ٥٠٠ رجل) من أراضي الأخماس (٥٧٥).

وهذه الطريقة في تقسيم أراضي الأندلس جعلت بعض الفقهاء يعتبرون أن أرض الأندلس لم تقسم تقسيماً شرعياً، ونجد هذا الرأي عند ابن حزم القرطبي وغيره، وبلغ من شيوع فكرة اللاشرعية من تملك أرض الأندلس أن أحد الباحثين في الفلاحة علل خصب أراضي تدمير (مرسية) وطيب ثمرها لأن أهلها صالحوا موسى فلم يملك منها شيء إلا عن حق (٥٧٦)، ومعنى هذا أن كثيرين كانوا يرون أن تقسيم أرض الأندلس تحكمت فيه الغلبة وليس الشرع، ومن الطبيعي أن يحصل النزاع حول ملكيتها، وأن تحاول الأطراف المختلفة من عناصر وقبائل الفاتحين أن تقتطع أكبر قسم منها، وبهذا كانت قضية توزيع الأراضي عاملاً في كل نزاع بين فاتحي الأندلس (٥٧٧).

عرفت الأندلس بالغنى وخصبة الأرض ووفرة الموارد الاقتصادية حتى وصفت بجنة


(٥٧٤) نص الرسالة الشريفية، ص ٢٠٦ - ٢٠٧.
(٥٧٥) بدر، دراسات، ج ١، ص ٤٢ - ٤٣.
(٥٧٦) ينظر، الزهري، كتاب الجغرافية، ص ١٠٠ - ١٠١.
(٥٧٧) بدر، دراسات، ج ١، ص ٤٤.

<<  <   >  >>