للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بسبب علاقتها الودية مع الإمارة الأموية بالأندلس (٦٠٢). أدى النشاط الاقتصادي الذي ذكرناه إلى بروز مظاهر الترف والرفاه في المجتمع الأندلسي، فانعكس ذلك على ازدياد الواردات التي وصلت إلى مليون دينار أحياناً فظهرت مظاهر الترف في بلاطات الأمراء وقصور الطبقة العليا، متمثلاً في بناء القصور (المنية) وفي اقتناء الجواري والعبيد البيض (الصقالبة)، وفي منح الهدايا والهبات للشعراء والمغنين، فمثلاً كان المغني المشرقي زرياب يقبض مخصصات شهرية قدرها مائتا دينار، كما أن كلاً من أبنائه الأربعة كان يأخذ عشرين دينار شهرياً، وقد تسلم زرياب في إحدى المناسبات هدية قدرها ثلاثة آلاف دينار (٦٠٣).

وانعكس هذا الرخاء أيضاً في الأعمال العمرانية التي قام بها الأمراء، المتمثلة في بناء المساجد الجديدة أو توسيع المساجد القديمة، وفي بناء الأسوار، وفي بناء مدن الثغور وغيرها.

كما أحدث النشاط الاقتصادي تطوراً إدارياً وعسكرياً في الأندلس، ففي عهد الأمير عبد الرحمن الأوسط أسس دار السكة ونتيجة لذلك تضاعف عدد النقود المتداولة وبخاصة ذات القيم المتوسطة والدنيا، ويلاحظ من بقايا النقود الباقية تحسن مفاجئ ابتداء من عام ٢٢٩ هـ في إتقان الضرب (٦٠٤). وانعكس هذا الأمر أيضاً على وزراء الدولة وكبار رجالها سواء من حيث طبقاتهم أو من حيث أرزاقهم، حيث وصل راتب الوزير إلى ٣٥٠ دينار شهرياً (٦٠٥).

وكان من نتائج التطور الاقتصادي توسع مدينة قرطبة التي غصت بسكانها، حتى أخذ الناس يبنون خارجها وتجاوزوا على المقابر، مما جعل قاضي قرطبة في عهد الأمير عبد الرحمن الأوسط إلى إصدار حكم يثبت فيه حدود مقبرة الربض (٦٠٦). واضطر الأمير الأوسط لمواجهة المشاكل الناجمة عن هذا التضخم إلى إسناد مهمة مراقبة الموازين والمكاييل والمبيعات إلى المحتسب، والخدمات العامة تركت إلى صاحب المدينة، ومشكلات الأمن عهد بها إلى صاحب الشرطة (٦٠٧).


(٦٠٢) ينظر، بدر، دراسات، ج ١، ص ١٥٦.
(٦٠٣) ينظر، صلاح خالص، إشبيلية، ص ٥٨ - ٥٩.
(٦٠٤) ينظر، بدر، دراسات، ج ١، ص ١٥٨ - ١٥٩، ص ١٦٣.
(٦٠٥) ينظر، ابن الآبار، الحلة السيراء، ج ١، ص ١٢٣ - ١٢٤.
(٦٠٦) ينظر، سالم، قرطبة، ج ١، ص ١٦٣ - ١٦٨ - بدر، دراسات، ج ١، ص ١٦٥.
(٦٠٧) ابن سعيد، المغرب، ج ١، ص ٤٦ - بدر، دراسات، ج ١، ص ١٦٥.

<<  <   >  >>