للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما أدت زيادة واردات الدولة بسبب هذا النشاط الاقتصادي إلى الإكثار من شراء العبيد السود والبيض، فأكثر الأمير الحكم من شرائهم وزاد عليه الأمير عبد الرحمن الأوسط حتى وصل عددهم في حرسه الخاص إلى خمسة آلاف شخص. كما أن عدد أفراد الجيش النظامي زاد لقدرة الأمير على استخدام عنصر جديد هو عنصر المرتزقة الذين يخدمون مقابل رزق معين ويحترفون الخدمة العسكرية (٦٠٨).

اعتباراً من عصر الإمارة وما بعده، وجدت ظاهرة جديدة لها علاقة بالاقتصاد الأندلسي، وهي ظاهرة إحراق المزارع من قبل الإسبان عندما يغيرون على الأراضي الإسلامية، أو من قبل المتمردين على حكومة الإمارة والذين زاد أمرهم في فترة الحروب الأهلية. وبالمقابل تقوم جيوش الإمارة بحرق زروع المتمردين عندما تحاصرهم كوسيلة من وسائل إضعاف مقاومتهم وإجبارهم على الطاعة (٦٠٩).

ووجدت في عصر الإمارة ظاهرة فرض الضرائب المرهقة على الشعب من قبل بعض الأمراء، مع حصول المجاعات وسنوات القحط في الأندلس، فالأمير الحكم سخطت عليه العامة بسبب ما فرضه هذا الأمير من عشور مرهقة على المواد الغذائية، وكان العامة يجاهرون بذم الأمير والطعن في سيرته، مما مهد قيام حركة الربض المشهورة (٦١٠).

ومن عهد الأمير محمد بن عبد الرحمن فقد أبدى تشدداً في جمع العشور وقد نصحه الوزير عبد الرحمن بن غانم صاحب المدينة بأن يسقط العشور متى عدمت الغلات، لأن العشور تفرض على الغلات إذا وهبها الله، وإذا لم يزرع بذر ولم يستغل زرع وجب إسقاطها، فلم يستمع الأمير لنصحه فعزله، وعين مكانه حمدون بن بسيل وكان ظلوماً فاشتط في جمع العشور فأرهق الشعب وتذمروا فوصل تذمرهم إلى الأمير، وتوالت أيضاً في نفس الوقت أعوام القحط والجدب، فاضطر الأمير أن يسقط عن الشعب جزءاً من العشور حتى يستطيعوا مواجهة أعباء الحياة ومواصلة نشاطهم العمراني، فلهج الناس والشعراء مدحاً للأمير. وكان الأمير محمد بارعاً في الأمور المالية، دقيقاً في مراجعة الدخل والخرج، وقد ساعده ذلك في ضبط شؤون الخزانة


(٦٠٨) بدر، دراسات، ج ١، ص ١٦٥.
(٦٠٩) ينظر على سبيل المثال: ابن حيان، المقتبس، ج ٣، ص ١٤٣ - ابن عذاري، البيان، ج ٢، ص ١٤٣ - صلاح خالص، إشبيلية، ص ٤٨.
(٦١٠) عنان، دولة الإسلام، ج ١، ص ٢٤٣.

<<  <   >  >>